الخميس لثلاث بقين من شعبان ، وتقدم شمس الملوك دقاق وظهير الدين أتابك في حقه ، بما طيب نفسه وأكد أنسه ، وأقام بدمشق الى أن تسهلت له السبيل في العود الى مصر ، فتوجه إليها عائدا ، ووصل إليها سالما ، وأوضح عذره فيما تم عليه من الغلبة ، فقبل عذره بعد الإنكار عليه ، والغيظ من فعله.
وفي هذه السنة عرض للملك شمس الملوك دقاق بن السلطان تاج الدولة ، صاحب دمشق ، مرض تطاول به ، ووقع معه تخليط الغداء ، أوجب انتقاله إلى علة الدق ، فلم يزل به وهو كل يوم في ضعف ونقص ، فلما أشفى ووقع اليأس من برءه ، وانقطع الرجاء من عافيته (١) ، تقدمت إليه والدته الخاتون صفوة الملك بأن يوصي بما في نفسه ، ولا يترك أمر الدولة وولده سدى ، فعند ذلك نص على الأمير ظهير الدين أتابك في الولاية بدمشق من بعده ، والحضانة لولده الصغير تتش بن دقاق بن تاج الدولة إلى حين يكبر ، وإحسان تربيته ، وألقى إليه ما كان في نفسه ، وتوفي إلى رحمة الله في اليوم الثاني عشر من شهر رمضان من السنة (٢).
وقد (٧٨ ظ) كان ظهير الدين أتابك قبل هذه الحال في عقابيل مرض أشفى منه ، وتداركه من الله تعالى العافية ، وأبل من مرضه ، وشرع في إحسان السيرة في العسكرية والرعية ، وأحسن إلى الأمراء والمقدمين من الدولة ،
__________________
(١) أورد ابن عساكر في تاريخه سببا غير هذا لوفاة دقاق حيث قال : «ثم عرض لدقاق مرض تطاول به ، وتوفي منه في الثاني عشر من رمضان سنة سبع وتسعين وأربعمائة ، وإن أمه زينت له جارية ، فسمته في عنقود عنب معلق في شجرته ، ثقبته بإبرة فيها خيط مسموم ، وإن أمه ندمت على ذلك بعد الفوت ، وأومأت إلى الجارية أن لا تفعل ، فأشارت إليها أن قد كان ، وتهرى جوفه ، فمات». مدخل إلى الحروب الصليبية ٣٨٦.
(٢) نقل سبط بن الجوزي عن ابن القلانسي خبر وفاة دقاق وزاد في نقله «ودفن على الشرف الشمالي بدمشق بقبة الطواويس». أخبار سنة ـ ٤٩٧ ـ.