وأطلق يده من الخزانة في الخلع والتشريفات والصلات والهبات ، وأمر بالمعروف ، ونهى عن المنكر ، وأقام الهيبة على المفسدين المسيئين ، وبالغ في الإحسان إلى المطيعين والمحسنين ، وتألف القلوب بالعطاء ، واستمال الجانح بالتودد والحباء ، واستقامت له الأمور ، وأجمع على طاعته الجمهور ، وقد كان الملك شمس الملوك قد حمل على الرئيس أبي محمد بن الصوفي رئيس دمشق ، إلى أن قبض عليه في سنة ست وتسعين وأربعمائة ، وبقي معتقلا إلى أن قررت عليه مصالحة نهض فيها ، وقام بها ، وبعد ذلك عرض له مرض قضى فيه محتوم نحبه ، وصار منه إلى ربه وقام بعده في منصبه ولده أبو المجلي سيف وأخوه أبو الذواد المفرج ، وكتب لهما المنشور في الاشتراك في الرئاسة ، وأحضرهما ظهير الدين أتابك ، عقيب وفاة شمس الملوك ، وطيب نفسيهما ، ووكد الوصية عليهما في استعمال النهضة في سياسة الرعايا ، وإنهاء أحوالهما فيما يستمر عليها من صلاح وفساد ، ليقابل المحسن إليها بالإحسان ، والجاني عليها بالتأديب والهوان ، فامتثلا أوامره وعملا بأحكامه.
وكان الملك شمس الملوك رحمهالله ، قبل وفاته قد سيّر أخاه الملك أرتاش بن السلطان تاج الدولة إلى حصن بعلبك ، ليكون به معتقلا عند واليه فخر الدولة ـ خادم أبيه ـ كمشتكين التاجي ، فرأى ظهير الدين أتابك في حكم ما يلزمه لأولاد تاج الدولة أن يراسل (١) الخادم المذكور في إطلاقه وإحضاره الى دمشق ، فوصل إليها ، وتلقاه وأكرمه وبجله وخدمه ، وأقامه في منصب أخيه شمس الملوك ، وتقدم إلى الأمراء والمقدمين والأجناد بالطاعة لأمره ، والمناصحة في خدمته ، وأجلسه في دست المملكة ، في يوم السبت لخمس بقين من ذي الحجة سنة سبع وتسعين وأربعمائة فاستقامت بذلك الأمور ، وسكنت إليه نفوس الجمهور.
__________________
(١) في الأصل : «أن أرسل الخادم» والتقويم من مرآة الزمان ـ أخبار سنة ٤٩٨ ـ حيث النقل عن ابن القلانسي.