واتفق للأمر المقضي الذي لا يدافع ، والمحتوم الذي لا يمانع ، من سعى في إفساد هذا التدبير ، ونقض هذا التقرير ، فأوحش الملك محيي الدين أرتاش من ظهير الدين أتابك (٧٩ و) ومن الخاتون صفوة الملك والده شمس الملوك ، وأوقعت أمه في نفسه الخوف منهما ، وأوهمته أنهما ربما عملا عليه فقتلاه ، والأمر بالضد مما نقله الواشي إليه وألقاه ، فخاف منهما وحسن له الخروج من دمشق ومملكتها ، والعود إلى بعلبك لتجتمع إليه الرجال والعسكرية ، فخرج منها سرا في صفر سنة ثمان وتسعين وأربعمائة وخرج ايتكين الحلبي صاحب بصرى إليها هاربا ، لتقرير كان بينهما في هذا الفساد ، فعاثا في ناحية حوران ، وراسلا بغدوين ملك الأفرنج بالاستنجاد به ، وتوجها نحوه ، وأقاما عنده مدة بين الافرنج يحرضانه على المسير إلى دمشق ، ويبعثانه على الإفساد في أعمالها ، فلم يحصلا منه على حاصل ، ولا ظفرا بطائل ، فحين يئسا من المعونة ، وخاب أملهما في الإجابة ، توجها إلى ناحية الرحبة في البرية (١) ، واستقام الأمر بعدهما لظهير الدين أتابك ، وتفرد بالأمر ، واستبد بالرأي ، وحسنت أحوال دمشق وأعمالها بإيالته ، وعمرت بجميل سياسته ، وقضى الله تعالى بوفاة تتش ولد الملك شمس الملوك دقاق المقدم ذكره في هذه الأيام واتفق أن الأسعار رخصت ، والغلات ظهرت ، وانبسطت الرعية في
__________________
(١) أورد سبط ابن الجوزي ـ أخبار سنة ٤٩٨ ـ أنهما عادا من الرحبة إلى بصرى «فخرج طغتكين بالعساكر ونازل بصرى وحصرهما فيها ، واتفق خروج العسكر المصري في عشرة آلاف مع الأمير شمس المعالي ولد الأفضل ، وكوتب طغتكين بالمسير معه إلى قتال الفرنج ، وكان نازلا على بصرى ، فامتنع ، ثم رأى تقديم الجهاد ، فسار إلى العسكر المصري ، والتقى المسلمون والفرنج ، فانهزم عسكر المصريين إلى عسقلان ، وعسكر طغتكين إلى بصرى ، ووجد أرتاش وايتكين قد خرجا منها إلى الرحبة ، فأمن أهل بصرى ، وسلموها إليه ، فلم يتعرض لهم ، وطيب قلوبهم».