فلما وصلا الى بغداد لقي فخر الملك من السلطان من الاكرام والاحترام ما زاد على أمله ، وتقدم الى جماعة من أكابر الأمراء بالمسير معه لمعونته وإنجاده على طرد محاصري بلده ، والايقاع بهم ، والابعاد لهم ، وقرر مع العسكر المجرد معه الإلمام بالموصل ، وانتزاعها من يدي جاولي سقاوة ، ثم المصير بعد ذلك إلى طرابلس ، فجرى ما تقدم به الشرح من ذلك ، وطال مقام فخر الملك ، طولا ضجر معه ، وعاد إلى دمشق في نصف المحرم سنة اثنتين وخمسمائة.
فأما تاج الملوك بن ظهير الدين فجرى أمره ، فيما نفذ لأجله ، على غاية مراده ونهاية محابه ، وصادف من السلطان في حق أبيه وحقه ما سره ، وعاد منكفئا الى دمشق بعد ما شرف به من الخلع السنية الإمامية والسلطانية ، ووصل إلى دمشق آخر ذي الحجة من السنة.
وأقام فخر الملك بن عمار في دمشق بعد وصوله إليها أياما ، وتوجه منها مع خيل من عسكر دمشق جردت معه إلى جبلة ، فدخلها وأطاعه أهلها ، وأنفذ أهل طرابلس إلى الافضل بمصر يلتمسون منه إنفاذ وال يصل إليهم في البحر ، ومعه الغلة والميرة في المراكب لتسلم إليه البلد ، فوصل إليهم شرف الدولة بن أبي الطيب واليا من قبل الأفضل ، ومعه الغلة فلما وصل إليها ، وحصل فيها ، قبض على جماعة أهل فخر الملك بن عمار وأصحابه ، وذخائره وآلاته وأثاثه ، وحمل الجميع إلى مصر في البحر.
وفي هذه السنة أسرى ظهير الدين أتابك في عسكره إلى طبرية ، وفرق عسكره فرقتين نفذ إحداهما إلى أرض فلسطين ، والأخرى غاربها على طبرية ، فخرج إليه صاحبها في رجاله المعروف بجر فاس ، وهو من مقدمي الأفرنج المشهورين بالفروسية والشجاعة (٨٨ و) والبسالة ، وشدة المراس ، يجري مجرى الملك بغدوين في التقدم على الأفرنج ، فالتقاه وأحاطت خيل الأتراك