العظيمة عنه ونهب منه زرديات كثيرة وطوارق وغير ذلك ، واتصلت النار بالبرج الكبير ، واتصل الخبر بالمسلمين بأن الافرنج قد هجموا خربة البلد ، للاشتغال بحريق البرج ، فانثنوا عن المقاتلة على الأبراج ، وشد الأفرنج عليهم وكشفوهم عن البرج ، وأطفأوا ما علق به من النار ، ورتبوا عدة وافرة من أبطالهم لحفظ البرج والمنجنيقات من جميع الجهات (٩٨ و) ، وواظبوا الزحف إليها إلى آخر شهر رمضان ، وقربوا البرج الى بعض أبراج البلد ، وطمّوا الثلاثة الخنادق التي أمامه ، وعمد أهل البلد الى تعليق حائط البرج الذي بإزاء برج الأفرنج ، وأطلقوا النار فيه ، فاحترق التعليق ، وسقط وجه الحائط في وجه البرج فمنع من تقديمه الى السور والزحف به ، وصار الموضع الذي قصدوه قصيرا وأبراج البلد تحكم عليه ، وبطل تقديمه من ذلك الوجه ، وكشف الأفرنج الردم وجروه إلى برج آخر من أبراج البلد ، ودفعوه إليه ، وقربوه من سور البلد ، وصدموا بالكباش التي فيه السور ، فزعزعوه ووقع منه شيء من الحجارة ، وأشرف أهل البلد على الهلاك ، فعمد رجل من مقدمي البحرية عارف بالصندقة (١) من أهل طرابلس له فهم ومعرفة بأحوال الحرب إلى عمل كلاليب حديد لمسك الكبش ، إذا نطح به السور من رأسه ومن جانبه بحبال يجذبها الرجال حتى يكاد البرج الخشب يميل من شدة جذبهم بها ، فتارة تكسره الأفرنج خوفا على البرج ، وتارة يميل أو يفسد ، وتارة ينكسر بصخرتين تلقيان عليه من البلد مشدودة إحداهما الى الأخرى ، فعملوا عدة
__________________
(١) في مرآة الزمان ـ أخبار سنة ٥٠٥ ه ـ : «فتحيل واحد من المسلمين له خبرة بالحرب ، فعمل كباشا في أخشاب ، تدفع البرج الذي يلصقونه بالسور ، ثم تحيل في حريق البرج الكبير فاحترق ، وخرج المسلمون فأخذوا منه آلات وأسلحة فحينئذ يأس الفرنج ، فرحلوا وأحرقوا جميع ما كان لهم من المراكب على الساحل والأخشاب والعمائر والعلوفات وغيرها ، وجاءهم طغتكين فما سلموا إليه البلد فقال : أنا ما فعلت ما فعلت إلا لله تعالى لا لرغبة في حصن ولا مال ، ومتى دهمكم عدو جئتكم بنفسي ورجالي ، ورحل عنهم».