طرابلس بعلة لحقته ، وأقام ابنه في الأمر من بعده ، وهو طفل صغير كفله أصحابه ، ودبروا أمره مع طنكري صاحب أنطاكية ، وجعلوه من خيله (١) وأقطعه انطرطوس وصافيتا ، ومرقية (٢) وحصن الأكراد.
وفي هذه السنة حدث بمصر الوباء المفرط ، بحيث هلك به خلق كثير ، يقال تقدير ستين ألف نفس.
وفيها ورد الخبر من ناحية العراق بوصول السلطان غياث الدنيا والدين محمد بن ملكشاه (٣) إلى بغداد في جمادى الأولى منها ، وأقام بها مدة ثقل فيها على أهلها ، وارتفع معها السعر إلى أن رحل عنها ، فصلحت الحال ، ورخص السعر.
وفيها وردت الأخبار بوصول الامير شرف الدين مودود صاحب الموصل في عسكره ، ونزوله على الرها ورعيه لزرعها في ذي القعدة منها وأقام عليها الى المحرم سنة ست وخمسمائة ورحل عنها الى سروج ورعى زرعها ، وهو في غفلة غير متحفظ من عدو يطرق ومسلم يرهق ، ولم يشعر إلا وجوسلين صاحب تل باشر في خيله من الأفرنج ، ودواب العسكر منتشرة في المرعى ، هجم عليها من ناحية سروج ، على حين غفلة من مودود وأصحابه ، فقتلوا منهم جماعة ، واستاقوا أكثر كراعهم ، وقتل بعض المقدمين ، واستيقظ من كان من المسلمين غافلا ، وتأهبوا للقائه ، فعاد الى حصن سروج.
__________________
(١) جعله من خيله أي من فرسانه واسم ابن برتران «بونز» وترسمه المصادر العربية «بنص» انظر طرابلس الشام : ١٥٠.
(٢) قال عنها ياقوت : قلعة حصينة في سواحل حمص ، ويستفاد من أبي الفداء : ٢٩ أنها كانت بين بانياس وطرطوس.
(٣) في الأصل : محمد بن ألبي ، وهو خطأ واضح صوابه ما أثبتنا.