الدين المذكور ، ليكون عونا له على فعله ، وتقوية يده في شغله ، التمس من ظهير الدين أتابك حصنا يأوي إليه ، ومعقلا يحتمي به ، ويعتمد عليه ، فسلم له ثغر بانياس في ذي القعدة سنة عشرين وخمسمائة فلما حصل فيه اجتمع إليه أوباشه من : الرعاع ، والسفهاء والفلاحين ، والعوام ، وغوغاء الطغام ، الذين استغواهم بمحاله وأباطيله ، واستمالهم بخدعه وأضاليله ، فعظمت المصيبة بهم ، وجلّت المحنة بظهور أمرهم وشينهم ، وضاقت صدور الفقهاء والمتدينين ، والعلماء ، وأهل السنة ، والمقدمين ، و [أهل] الستر والسلامة من الأخيار المؤمنين ، وأحجم كل منهم عن الكلام فيهم ، والشكوى لواحد منهم ، دفعا لشرهم ، وارتقابا لدائرة السوء عليهم ، لأنهم شرعوا في قتل من يعاندهم ، ومعاضدة من يؤازرهم على الضلال ، ويرافدهم بحيث لا ينكر عليهم سلطان ولا وزير ، ولا يفل حد شرهم مقدم ولا أمير.
وفي هذه السنة ورد الخبر بوصول السلطان مغيث الدنيا والدين محمود ابن السلطان محمد بن ملك شاه (١١٨ و) إلى بغداد ، وجرى بينه وبين الخليفة الإمام المسترشد بالله أمير المؤمنين مراسلات ومخاطبات ، أوجبت تشعيث الحال بينهما ، والمنافرة من كل منهما ، وتفاقم الأمر الى أن أوجب زحف السلطان في عسكره إلى دار الخلافة ، ومحل الإمامة ، ومحاربته في قصره ، والطلبة لغلبته وقهره ، ولم تزل الشحناء مستمرة ، والفتنة على غير الإيثار مستقرة ، إلى أن زالت أسباب الخلف والنفار ، وعادت الحال إلى ما ألفيت من شوائب الأكدار ، بحسن سفارة الوزير جلال الدين بن صدقة ، وزير الخلافة ، وجميل وساطته ، وسديد نيابته ، وعاد السلطان مع ذلك إلى المألوف من طاعته ، والمعروف من مناصحته ، والتصرف على أوامر أمير المؤمنين وأمثلته وذلك في العشر الأخير من ذي الحجة سنة عشرين وخمسمائة ، وقيل في أول المحرم سنة احدى وعشرين وخمسمائة (١).
__________________
(١) أتى سبط ابن الجوزي على تفاصيل ذلك في أخبار سنة / ٥٢١ / ه وهي ليست في المطبوع : ١ / ١٢٤ ـ ١٢٥.