صاحبها ، ووصلت رسله لتقرير الأمر ، فصادفوا الحال بالصد ، والتدبير بالعكس ، إلا أنهم أكرموا وبجلوا ، وأحسن إليهم ، وأعيدوا بأجمل جواب ، وألطف خطاب ، وأعلم عماد الدين جلية الحال ، واتفاق الكلمة في حفظ الدولة والذب عن الحوزة ، والبعث على اجمال الرعاية ، والعود على أحسن نية.
فلما انتهى إليه الجواب ، ووقف عليه ، لم يحفل به ، ولا أصاخ إلى استماعه ، فأوهمته نفسه بالطمع في ملكة دمشق ، ظنا منه بأن الخلف يقع بين الأمراء والمقدمين من الغلمان ، فكان الأمر بخلاف ما ظن ، وواصل الرحيل واغذاذ السير إلى أن وصل الى ظاهر دمشق ، وخيم بأرض عذراء الى أرض القصير ، في عسكر كثيف الجمع ، عظيم السواد ، في أوائل جمادى الأولى من سنة تسع وعشرين وخمسمائة ، وقد كان التأهب له مستعملا عند ورود أخبار عزيمته ، وأجفلت الضياع ، وحصل أهلها في البلد ، ووقع الاستعداد لمحاربته واللقاء عند منازلته ، والاجتماع على صده ، ودفعه ، ولم تزل الحال على هذه القضية ، والانتصاب بإزائه على هذه السجية ، وقد أشعرت النفوس من شدة البأس ، والصبر على المراس ، للقائه والتأهب لزحفه ، ودنوه من البلد ، وقربه ، وقد كان رحل عن عذراء ونزل تحت العقبة القبلية ، وكان يزحف في عسكره ، وقد فرقه في عدة مواضع كالمراكب ، حتى تقرب من البلد ، فيشاهد كثرة من يخرج من البلد والعسكرية ، وأحداث الرعية بالسلاح الشاك ، وامتلأ المصلى وسائر الأماكن ، والكمناء في جميع المسالك ما يروعه ويصده عن الزحف ، وفي كل يوم يصل من مستأمني عسكره جملة وافرة ، مع ما ينهب من خيولهم ، ويقلع من فوارسهم (١٣٦ ظ) فلما طالت الأيام عليه ، ولم يحصل على طائل مما حاول ، ولا مرام ، راسل في طلب الصلح ، والدخول في طاعته ، والتمس خروج الأمير شهاب الدين محمود بن تاج الملوك إليه لوطء بساط ولد السلطان الواصل معه ، ويخلع عليه ، ويعيده الى بلده ، وأجمل الخطاب في ذلك والوعد ، فلم يجب الى خروج شهاب الدين ، وتقررت الحال