وقد مضى ذكر ما كان من الخليفة المفقود ، في معنى السلطان مسعود ابن السلطان محمد (١) بن ملك شاه (١٣٧ و) من تقرير السلطنة له ، ورد تدبير الأعمال والأمر بالدعاء له ، على منابر البلاد ، وتشريفه بالخلع والحملان الكامل ، وعقيب هذا الفعل الجميل ظهر لأمير المؤمنين المسترشد بالله أمور أنكرها ، وبلغته أسباب امتعض منها ، وبدت منه أفعال أكبرها ، فرام استعطافه واستعادته إلى الواجب المألوف في طاعة الخلفاء ، فامتنع وحاول استمالته الى الصواب المعروف في المناصحة ، وحسن الوفاء فلم ينفع ، وبعثه على الحق الذي هو خير من التمادي في الباطل ، فلم يقبل ، فأفضت الحال صرف الهمة العلية المسترشدية الى مداواة هذا الداء ، والاستعداد له ، الى أن أعضل بالدواء ، ولم ير فيه أنجع من التأهب لقصده ، والاحتشاد للايقاع به وصده ، لأن اخباره كانت متناصرة بعزمه على قصد بغداد ، والإخراب لها ، والاعاثة في نواحيها ، فرأى الصواب في معاجلته ، ومقابلة فعله بمثله.
واتفق وصول جماعة من وجوه عسكره ، ومقدمي جنده ، لخدمة الخليفة ، والمعاضدة له على محاربة عدوه ، وشرعوا في تحريضه على البروز إليه ، والمسارعة بالإطلال عليه ، فتوجه نحوه في تجمل يعجز عنه الوصف ، ويقصر دونه النعت ، وقد اجتمع إليه من أصحاب الأطراف ، وأصناف الأجناد ، الخلق الكثير ، والجم الغفير ، الذي بمثله قويت نفسه ، واشتد بأسه ، ولم يشك أحد في أنه الظافر به ، والمستولي على حزبه ، فلما قرب من مخيمه بناحية همذان ، ووقع العيان على العيان ، زحف إليه في عسكره ، والتقى الجمعان ، واتفق للقضاء المكتوب ، والقدر المحجوب أن أمراء الأتراك الواصلين لخدمة
__________________
(١) في الأصل : ابن محمود بن محمد ، ومحمود زيادة فحذفت.