ولما انتهى هذا الخبر إلى ولده ، ولي عهده ، تقدم بتحصين بغداد ، والتأهب لدفع من يقصدها بسوء من الأعداء والمخالفين ، وبويع بالخلافة في يوم السبت السابع والعشرين من ذي القعدة سنة تسع وعشرين وخمسمائة ، ولقب بالراشد بالله أبي جعفر المنصور بن المسترشد بالله أمير المؤمنين ، وجلس في منصب الخلافة في ذي الحجة سنة تسع وعشرين وخمسمائة ، واستقام له الأمر وتوكدت له البيعة على الرسم ، ووعد كافة الأجناد والعسكرية ، وأماثل الرعية بما طيب نفوسهم ، وشرح صدورهم ، وأطلق مال النفقات والواجبات على جاري العادة ، فكثر الدعاء له ، والثناء عليه ، وسكنت الدهماء (١) (١٣٨ ظ).
__________________
(١) في تاريخ ميافارقين لابن الأزرق الفارقي ، مواد وثائقية حول الصراع بين الخليفة والسلطان ، مع وصف المعركة بينهما ونتائجها ، وقد أثبت المحقق الأول هذا النص في حواشي الكتاب ، ولفائدته أبقيته ، وقمت بضبطه على مصورة مخطوطة المتحف البريطاني الموجودة لدي ، قال الفارقي : وقيل خرج في شعبان سنة تسع وعشرين وخمسمائة ، قيل في ثمان وعشرين وخمسمائة ، خرج الخليفة المسترشد من بغداد ، ولقي السلطان مسعود بباب همذان الى موضع يسمى دآى مرك قريب من جبل بهستون ، ونهب العسكر ، وكان جمع السلطان خلقا ، فالتقوا بعسكر الخليفة وأسروه وأسروا أرباب المناصب كلها. ولقد سألت السعيد مؤيد الدين أبا عبد الله محمد بن عبد الكريم الأنباري ، رحمهالله ، في سنة أربع وثلاثين وخمسمائة ببغداد ، حين نزلت إليه في أيام السلطان محمود عن حال المسترشد وما جرى ، فقال رضياللهعنه : كان قد وقع بين السلطان والخليفة في أيام السلطان محمود ، وخرج وأسره مرتين ، فلما ولى مسعود استطال نوابه على العراق ، وعارضوا الخليفة في أملاكه ، فوقعت الوحشة ، وتجهز المسترشد وعزم على الخروج ، وجد في ذلك ، واتفق أن بعض الأيام دخل الوزير شرف الدين الزينبي علي بن طراد على الخليفة ، وأنا معه وجمال الدين طلحة صاحب المخزن ، وكان الخليفة قد طرد أصحاب السلطان عن العراق ، ورتب صاحب المخزن على دار السلطان للمظالم والبلد ، فلما دخلنا ذلك اليوم قال له الوزير شرف الدين : يا مولانا في نفس المملوك شيء وهل يؤذن له في المقال؟ فقال : قل ، قال : يا مولانا الى أين تمضي وبمن تعتضد والى من تلتجئ ، وبمن تنتصر؟ ومقامنا ببغداد أمكن لنا ، ولا يقصدنا أحد إلا وفينا نحن الظهر ، والعراق فيه لنا كفاية ، فإن الحسين بن علي عليهماالسلام لما خرج الى العراق