وهذه صفاته فيما ملكه من البلاد والثغور والمعاقل ، وحازه من الأموال والقلاع والأعمال ، ونفوذ أوامره في سائر الأطراف والأكناف ، ثم أتاه القضاء الذي لا يدافع ، والقدر الذي لا يمانع ، وحين اتصل هذا الخبر اليقين إلى معين الدين ، وعرف صورة الحال ، شرع في التأهب والاستعداد لقصد بعلبك ، وانتهاز الفرصة فيها بآلات الحرب والمنجنيقات ، ونهد إليها ونزل عليها وضايقها ، ونصب الحرب على مستحفظيها ، ولم يمض إلا الأيام القلائل حتى قل الماء فيها قلة ، دعتهم الى النزول على حكمه ، وكان الوالي بها (١) ذا حزم وعقل ومعرفة بالأمور ، فاشترط ما قام له به من إقطاع وغيره ، وسلم البلدة والقلعة إليه ، ووفى له بما قرر الأمر عليه ، وتسلم ما فيه من غلة وآلة في أيام من جمادى الأولى من السنة ، وراسل معين الدين الوالي بحمص ، وتقررت بينه وبينه مهادنة وموادعة يعودان بصلاح الأحوال وعمارة الأعمال ، ووقعت المراسلة فيما بينه وبين صلاح الدين بحماة ، وتقرر بينهما مثل ذلك ، ثم انكفأ بعد ذلك الى البلد عقيب فراغه من بعلبك ، وترتيب من رتبه لحفظها والإقامة فيها ، في يوم السبت الثامن عشر من جمادى الآخرة من السنة ، وصادف الخادم يرنقش القاتل لعماد الدين أتابك رحمهالله ، قد فصل عن قلعة جعبر لخوف صاحبها من طلبه منه ، ووصل إلى دمشق متيقنا أنه قد أمن بها ، ومدلا بما فعله ، وظنا منه أن الحال على ما توهمه ، فقبض عليه ، وأنفذ الى حلب صحبة من حفظه وأوصله إليها ، فأقام بها أياما ، ثم حمل الى الموصل ، وذكر أنه قتل بها.
ووردت الأخبار في أثناء ذلك في أيام من جمادى الآخرة من السنة بأن ابن جوسلين جمع الأفرنج من كل ناحية ، وقصد مدينة الرها على غفلة بموافقة من النصارى المقيمين فيها فدخلها واستولى عليها ، وقتل من فيها (١٥٦ ظ)
__________________
(١) أيوب بن شادي والد صلاح الدين الأيوبي.