من كان فيه ، وانهزمت الميسرة وفيها ميسور الصقلبي والي طرابلس ، ولحقتها الميمنة وفيها جيش بن محمد بن الصمصامة المقدم ووحيد الهلالي ، وركب الروم المسلمين ، وقتلوا منهم ألفي رجل ، واستولوا على سوادهم وسلاحهم وكراعهم ، ومال بنو كلاب على أكثر من ذلك فانتهبوه ، وثبت بشارة الاخشيدي في خمسمائة غلام ، وشاهد أهل أفامية من المسلمين ما نزل بالناس فأيقنوا بالهلاك ، وابتهلوا إلى الله الكريم اللطيف بعباده ، وسألوا الرحمة والنصر ، وكان ملك الروم قد وقف رابية بين يديه ولدان له ، وعشرة نفر من غلمانه ، ليشاهد ظفر عسكره وأخذه ما يأخذه من الغنائم ، فقصده كردي يعرف بأبي الحجر أحمد بن الضحاك السليل على فرس جواد ، وعليه كزاغند وخوذة وبيده اليمنى خشت (١) وباليسرى العنان وحشت آخر ، فظنه الدوقس مستأمنا له ومستجيرا به ، فلم يحفل به ولا تحرز منه ، فلما دنا منه حمل عليه والدوقس متحصن بلأمته فرفع يده ليتقي ما يرميه به فرماه بالزوبين (٢) الذي في يمناه رمية أصابت خللا في الدرع ، فوصل إلى جسده ، وتمكن منه في أضلاعه فسقط إلى الأرض ميتا ، وصاح الناس «ان عدو الله قد قتل ، فانهزمت الروم ، وتراجع المسلمون ، وعادت العرب ، ونزل من كان في الحصن فأعانوهم واستولى المسلمون على الروم فقتلوهم وأسروهم ، وكانت الوقعة في مرج افيح يطيف به جبل يعرف بالمضيق لا يسلكه إلا رجل في إثر رجل ، ومن جانبه بحيرة أفامية ونهر المقلوب ، فلم يكن للروم مهرب في الهزيمة ، وتصرم النهار وقد احتز من رؤوس القتلى عشرة آلاف رأس ، وبات المسلمون مبيت المنصورين الغانمين المسرورين بما منحهم الله اياهم من الكفاية ووهب لهم من الظفر ، ووافى العرب من غد بما نهبوه من دواب المسلمين عند الهزيمة ، فمنهم من رد ومنهم من باع
__________________
(١) الكزاغند كلمة مركبة من : كز أو قز وهو الحرير ، وغند مبطن ، والكزاغند ثوب حريري أو قطني مبطن يلبسه المقاتل لوقاية جسمه ، والخشت هو نبل قصير أو ما يشبه الحربة القصيرة.
(٢) حربة قصيرة ذات حدين.