وجذام فنزلوا أكناف ضان وأبليل وطرانية ، ولم تكن قيس بالحوف الشرقيّ قديما ، وإنما أنزلهم به ابن الحبحاب ، وذلك أنه وفد إلى هشام بن عبد الملك فأمر له بفريضة خمسة آلاف رجل ، فجعل ابن الحبحاب الفريضة في قيس ، وقدم بهم فأنزلهم الجوف الشرقيّ بمصر ، فانظر أعزك الله ما كان عليه الصحابة وتابعوهم عند فتح مصر من قلة السكنى بالريف ، ومع ذلك فكانت القرى كلها في جميع الإقليم أعلاه وأسفله مملوءة بالقبط والروم ، ولم ينتشر الإسلام في قرى مصر إلا بعد المائة من تاريخ الهجرة ، وعند ما أنزل عبيد الله بن الحبحاب مولى سلول قيسا بالحوف الشرقيّ ، فلما كان في المائة الثانية من سني الهجرة ، كثر انتشار المسلمين بقرى مصر ونواحيها ، وما برحت القبط تنقض وتحارب المسلمين إلى ما بعد المائتين من سني الهجرة.
قال أبو عمرو محمد بن يوسف الكنديّ في كتاب أمراء مصر : وفي امرة الحرّ بن يوسف أمير مصر ، كتب عبيد الله بن الحبحاب صاحب خراج مصر إلى هشام بن عبد الملك ، بأن أرض مصر تحتمل الزيادة ، فزاد على كلّ دينار قيراطا ، فنقضت كورة تنو ونمى وقريط وطرانية وعامّة الحوف الشرقيّ ، فبعث إليهم الحرّ بأهل الديوان فحاربوهم فقتل منهم خلق كثير ، وذلك أوّل نقض القبط بمصر ، وكان نقضهم في سنة تسع ومائة ، ورابط الحرّ بن يوسف بدمياط ثلاثة أشهر ، ثم نقض أهل الصعيد وحارب القبط عمالهم في سنة إحدى وعشرين ومائة ، فبعث إليهم حنظلة بن صفوان أمير مصر أهل الديوان ، فقتلوا من القبط ناسا كثيرا ، فظفر بهم وخرج بحنس ، وهو رجل من القبط من سمنود ، فبعث إليه عبد الملك بن مروان موسى بن نصير أمير مصر فقتل بحنس في كثير من أصحابه ، وذلك في سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، وخالفت القبط أيضا برشيد ، فبعث إليهم مروان بن محمد الحمار لما دخل مصر ، فارّا من بني العباس ، عثمان بن أبي سبعة ، فهزمهم وخرج القبط على يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة أمير مصر بناحية سخا ، ونابذوا العمال وأخرجوهم في سنة خمسين ومائة ، وصاروا إلى شبراسنباط ، وانضم إليهم أهل البشرود والأوسية والنخوم ، فأتى الخبر يزيد بن حاتم فعقد لنصر بن حبيب المهلبيّ على أهل الديوان ووجوه أهل مصر ، فخرجوا إليهم ولقيهم القبط وقتلوا من المسلمين ، فألقى المسلمون النار في عسكر القبط وانصرف العسكر إلى مصر منهزما.
وفي ولاية موسى بن عليّ بن رباح على مصر ، خرج القبط ببلهيت في سنة ست وخمسين ومائة ، فخرج إليهم عسكر فهزمهم ، ثم نقضت القبط في جمادى الأولى سنة ست عشرة ومائتين مع من نقض من أهل أسفل الأرض من العرب ، وأخرجوا العمال وخلعوا الطاعة لسوء سيرة العمال فيهم ، فكانت بينهم وبين الجيوش حروب امتدّت إلى أن قدم الخليفة عبد الله أمير المؤمنين المأمون إلى مصر ، لعشر خلون من المحرّم ، سنة سبع عشرة ومائتين ، فعقد على جيش بعث به إلى الصعيد وارتحل هو إلى سخا ، وأوقع الأفشين بالقبط