لقد كان كفؤا للعداة ومعقلا |
|
وركنا لهذا الدين بل أيّما ركن |
هكذا وقفت عليه ، ثم رأيت بعد ذلك أن المزنيّ ، رحمهالله ، لما دفن مرّ رجل على قبره وإذا بهاتف يقول : فذكر البيتين. وقال آخر :
لله درّ الثرى كم ضمّ من كرم |
|
بالشافعيّ حليف العلم والأثر |
يا جوهر الجوهر المكنون من مضر |
|
ومن قريش ومن ساداتها الأخر |
لما توليت ولّى العلم مكتئبا |
|
وضرّ موتك أهل البدو والحضر |
ولآخر :
أكرم به رجلا ما مثله رجل |
|
مشارك لرسول الله في نسبه |
أضحى بمصر دفينا في مقطمها |
|
نعم المقطّم والمدفون في تربة |
ومناقب الشافعيّ رحمهالله كثيرة ، قد صنف الأئمة فيها عدّة مصنفات ، وله في تاريخي الكبير المقفى ترجمة كبيرة ، ومن أبدع ما حكي من مناقبه : أنّ الوزير نظام الملك أبا عليّ الحسن بن عليّ بن إسحاق ، لما بنى المدرسة النظامية ببغداد في سنة أربع وسبعين وأربعمائة ، أحب أن ينقل الإمام الشافعيّ من مقبرته بمصر إلى مدرسته ، وكتب إلى أمير الجيوش بدر الجماليّ وزير الإمام المستنصر بالله معدّ يسأله في ذلك ، وجهز له هدية جليلة ، فركب أمير الجيوش في موكبه ومعه أعيان الدولة ووجوه المصريين من العلماء وغيرهم ، وقد اجتمع الناس لرؤيته ، فلما نبش القبر شق ذلك على الناس ، وماجوا وكثر اللغط وارتفعت الأصوات وهموا برجم أمير الجيوش والثورة به ، فسكّتهم وبعث يعلم الخليفة أمير المؤمنين المستنصر بصورة الحال ، فأعاد جوابه بإمضاء ما أراد نظام الملك ، فقريء كتابه بذلك على الناس عند القبر وطردت العامّة والغوغاء من حوله ، ووقع الحفر حتى انتهوا إلى اللحد ، فعندما أرادوا قلع ما عليه من اللبن خرج من اللحد رائحة عطرة أسكرت من حضر فوق القبر حتى وقعوا صرعى ، فما أفاقوا إلّا بعد ساعة ، فاستغفروا مما كان منهم وأعادوا ردم القبر كما كان وانصرفوا ، وكان يوما من الأيام المذكورة ، وتزاحم الناس على قبر الشافعيّ يزورونه مدّة أربعين يوما بلياليها ، حتى كان من شدّة الازدحام لا يتوصل إليه إلّا بعناء ومشقة زائدة ، وكتب أمير الجيوش محضرا بما وقع وبعث به وبهدية عظيمة مع كتابه إلى نظام الملك ، فقرىء هذا المحضر والكتاب بالنظامية ببغداد ، وقد اجتمع العالم على اختلاف طبقاتهم لسماع ذلك ، فكان يوما مشهودا ببغداد ، وكتب نظام الملك إلى عامّة بلدان المشرق من حدود الفرات إلى ما وراء النهر بذلك ، وبعث مع كتبه بالمحضر وكتاب أمير الجيوش ، فقرئت في تلك الممالك بأسرها ، فزاد قدر الإمام الشافعيّ عند كافة أهل الأقطار ، وعامّة جميع أهل الأمصار بذلك.