ومات ، في سابع عشري جمادى الآخرة ، سنة إحدى وخمسين وخمسمائة ، فخلا الكرسيّ بعده ثلاثة وأربعين يوما ، وقدم مرقص بن زرعة المكني بأبي الفرج بطرك اليعاقبة بمصر ، وكمل بالإسكندرية ، فأقام اثنتين وعشرين سنة وستة أشهر وخمسة وعشرين يوما ومات ، وفي أيامه انتقل مرقص بن قنبر وجماعة من القنابرة إلى رأي الملكية ، ثم عاد إلى اليعقوبية ، فقبل. ثم عاد إلى الملكية ورجع فلم يقبل ، وكان هذا البطرك له همة ومروءة. وفي أيامه كان حريق شاور الوزير لمصر ، في ثامن عشر هتور ، فاحترقت كنيسة بومرقورة ، وخلا بعده كرسيّ البطاركة سبعة وعشرين يوما ، ثم قدّم اليعاقبة يونس بن أبي غالب بطركا في يوم الأحد عاشر ذي الحجة سنة أربع وثمانين وخمسمائة ، وكمل بالإسكندرية ، فأقام ستا وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وثلاثة عشر يوما ، ومات يوم الخميس رابع عشر شهر رمضان سنة اثنتي عشرة وستمائة بالمعلقة بمصر ، ودفن بالحبش ، وكان في ابتداء أمره تاجرا يتردّد إلى اليمن في البحر حتى كثر ماله ، وكان معه مال لأولاد الخباب فاتفق أنه غرق في بحر الملح ، وذهب ماله ونجا بنفسه إلى القاهرة ، وقد آيس أولاد الخباب من مالهم ، فلما لقيهم أعلمهم أن مالهم قد سلّم ، فإنه كان قد عمله في نقائر خشب مسمرة في المركب ، فصار لهم به عناية ، فلما مات مرقص بن زرعة سعى يونس هذا للقس أبي ياسر فقال له أولاد الخباب : خذ أنت البطركية ونحن نزكيك ، فوافقهم وأقيم بطركا ، فشق ذلك على أبي ياسر وهجره بعد صحبة طويلة ، وكان معه لما استقرّ في البطركية سبعة عشر ألف دينار مصرية ، أنفقها على الفقراء ، وأبطل الديارية ومنع الشرطونية ، ولم يأكل لأحد من النصارى خبزا ولا قبل من أحد هدية.
فلما مات قام أبو الفتوح نشو الخليفة بن الميقاط كاتب الجيش مع السلطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب في ولاية القس داود بن يوحنا بن لقلق الفيوميّ ، فإنه كان خصيصا به ، فأجابه وكتب توقيعه من غير أن يعلم الملك الكامل محمد ابن السلطان ، فشق ذلك على النصارى ، وقام منهم الأسعد بن صدقة كاتب دار التفاح بمصر ومعه جماعة ، وتوجهوا سحرا ومعهم الشموع إلى تحت قلعة الجبل حيث كان سكن الملك الكامل واستغاثوا به ، ووقعوا في القس وقالوا لا يصلح ، وفي شريعتنا أنه لا يقدّم البطرك إلا باتفاق الجمهور عليه ، فبعث الملك الكامل يطيب خواطرهم ، وكان القس قد ركب بكرة ومعه الأساقفة وعالم كثير من النصارى ليقدّموه بالمعلقة بمصر ، وذلك يوم الأحد ، فركب الملك الكامل بشجو كبير من القلعة إلى أبيه بدار الوزارة من القاهرة حيث سكنه ، وأوقف ولاية القس ، فبعث السلطان في طلب الأساقفة ليتحقق الأمر منهم ، فوافقهم الرسل مع القس في الطريق فأخذوهم ، ودخل القس إلى كنيسة بوجرج التي بالحمراء وبطلت بطركيته ، وأقامت مصر بغير بطرك تسع عشرة سنة ومائة وستين يوما. ثم قدّم هذا القس بطركا في يوم الأحد تاسع عشري شهر رمضان سنة ثلاث وثلاثين وستمائة ، فأقام سبع سنين وتسعة أشهر وعشرة أيام ومات يوم الثلاثاء