الجمع كقولهم : فلان أدركت ثمرة بستانه ، يريدون ثماره. وقولهم : للقصيدة كلمة ، وللقرية مدرة ، لا يريدون بذلك الإفراد. ولكم : إن أريد بالرزق المصدر كانت الكاف مفعولا به واللام منوية لتعدّي المصدر إليه نحو : ضربت ابني تأديبا له ، أي تأديبه ، وإن أريد به المرزوق كان في موضع الصفة فتتعلق اللام بمحذوف ، أي كائنا لكم ، ويحتمل أن تكون لكم متعلقا بأخرج ، أي فأخرج لكم به من الثمرات رزقا. وانتهى عند قوله : رزقا لكم ذكر خمسة أنواع من الدلائل : اثنين من الأنفس خلقهم وخلق من قبلهم ، وثلاثة من غير الأنفس كون الأرض فراشا وكون السماء بناء ، والحاصل من مجموعهما تقدم خلق الإنسان لأنه أقرب إلى معرفته ، وثنّى بخلق الآباء ، وثلث بالأرض لأنها أقرب إليه من السماء ، وقدّم السماء على نزول المطر وإخراج الثمرات ، لأن هذا كالأمر المتولد بين السماء والأرض والأثر متأخر عن المؤثر. وقيل : قدم المكلفين لأن خلقهم أحياء قادرين أصل لجميع النعم. وأما خلق السماء والأرض والماء والثمر ، فإنما ينتفع به بشرط حصول الخلق والحياة والقدرة والشهوة والعقل. وقد اختلف أيهما أفضل ، ومن قال السماء أفضل قال : لأنها متعبد الملائكة وما فيها من بقعة عصى الله فيها ، ولأن آدم لما عصاه قال : لا تسكن جواري ، ولتقديم السماء على الأرض في أكثر الآيات ، ولأن فيها العرش والكرسي واللوح المحفوظ والقلم ، وأنها قبلة الدعاء. ومن قال الأرض أفضل قال : لأن الله وصف منها بقاعا بالبركة ، ولأن الأنبياء مخلوقون منها ، ولأنها مسجد وطهور.
(فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) ظاهره أنه نهى عن اتخاذ الأنداد ، وسموا أندادا على جهة المجاز من حيث أشركوهم معه تعالى في التسمية بالإلهية ، والعبادة صورة لا حقيقة لأنهم لم يكونوا يعبدونهم لذواتهم بل للتقرب إلى الله تعالى ، وكانوا يسمون الله إله الآلهة ورب الأرباب ، ومن شابه شيئا في وصف ما قيل : هو مثله وشبهه ونده في ذلك الوصف دون بقية أوصافه ، والنهي عن اتخاذ الأنداد بصورة الجمع هو على حسب الواقع لأنهم لم يتخذوا له تعالى ندا واحدا ، وإنما جعلوا له أندادا كثيرة ، فجاء النهي على ما كانوا اتخذوه ، ولذلك قال زيد بن عمرو بن نفيل :
أربا واحدا أم ألف رب |
|
أدين إذا تقسمت الأمور |
وقرأ زيد بن علي بن محمد بن السميفع : ندا على التوحيد ، وهو مفرد في سياق النهي ، فالمراد به العموم ، إذ ليس المعنى : فلا تجعلوا لله ندا واحدا بل أندادا ، وهذا