خلقهن على الطهارة لم يعلق بهن دنس ذاتي ولا خارجي وإن كن من بني آدم ، كما روي عن الحسن : عن عجائزكم الرمص العمص يصرن شواب ، فقيل : مطهرة من العيوب الذاتية وغير الذاتية ، وقيل : مطهرة من الأخلاق السيئة والطبائع الرديئة ، كالغضب والحدة والحقد والكيد المكر ، وما يجري مجرى ذلك ، وقيل : مطهرة من الفواحش والخنا والتطلع إلى غير أزواجهن ، وقيل : مطهرة من الأدناس الذاتية ، مثل الحيض والنفاس والجنابة والبول والتغوط وغير ذلك من المقاذير الحادثة عن الأعراض المنقلبة إلى فساد : كالبخر والذفر والصنان والقيح والصديد ، أو إلى غير فساد : كالدمع والعرق والبصاق والنخامة.
وقيل : مطهرة من مساوئ الأخلاق ، لا طمحات ولا مرجات ولا يغرن ولا يعزن. وقال النخعي : الولد. وقال يمان : من الإثم والأذى ، وكل هذه الأقوال لا يدل على تعيينها قوله تعالى : (مُطَهَّرَةٌ) لكن ظاهر اللفظ يقتضي أنهن مطهرات من كل ما يشين ، لأن من طهره الله تعالى ووصفه بالتطهير كان في غاية النظافة والوضاءة. ولما ذكر تعاليم سكن المؤمنين ومطعمهم ومنكحهم ، وكانت هذه الملاذ لا تبلغ درجة الكمال مع توقع خوف الزوال ، ولذلك قيل :
أشد الغم عندي في سرور |
|
تيقن عنه صاحبه ارتحالا |
أعقب ذلك تعالى بما يزيل تنغيص التنعم بذكر الخلود في دار النعيم ، فقال تعالى : (وَهُمْ فِيها خالِدُونَ). وقد تقدم ذكر الخلاف في الخلود ، وأن المعتزلة تذهب إلى أنه البقاء الدائم الذي لا ينقطع أبدا ، وأن غيرهم يذهب إلى أنه البقاء الطويل ، انقطع أو لم ينقطع ، وأن كون نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار سرمدي لا ينقطع ، ليس مستفادا من لفظ الخلود بل من آيات من القرآن وأحاديث صحاح من السنة ، قال تعالى : (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) (١) ، وقال تعالى : (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) (٢). وفي الحديث : «يا أهل الجنة خلود بلا موت». وفي حديث أخرجه مسلم في وصف أهل الجنة : «وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا».
إلى غير ذلك من الآي والأحاديث.
إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ
__________________
(١) سورة التغابن : ٦٤ / ٩.
(٢) سورة الحجر : ١٥ / ٤٨.