على ما فات ، ولذلك أبرزت جملته مصدرة بالنكرة التي هي أوغل في باب النفي ، وأبرزت الثانية مصدرة بالمعرفة في قوله : (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
وفي قوله : (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) إشارة إلى اختصاصهم بانتفاء الحزن ، وأن غيرهم يحزن ، ولو لم يشر إلى هذا المعنى لكان : ولا يحزنون ، كافيا. ولذلك أورد نفي الحزن عنهم وإذهابه في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ) (١) إلى قوله : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) (٢). ومعلوم أن هذين الخبرين وما قبلهما من الخبر مختص بالذين سبقت لهم من الله الحسنى ، وفي قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) (٣) ، فدل هذا كله على أن غيرهم يحزنه الفزع ، ولا يذهب عنهم الحزن.
وحكي عن المفسرين في تفسير هذه الجملة أقوال : أحدها : لا خوف عليهم فيما يستقبلون من العذاب ولا يحزنون عند الموت. الثاني : لا يتوقعون مكروها في المستقبل ، ولا هم يحزنون لفوات المرغوب في الماضي والحال. الثالث : لا خوف عليهم فيما يستقبلهم ، ولا هم يحزنون فيما خلفه. الرابع : لا خوف عليهم فيما بين أيديهم من الآخرة ، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا. الخامس : لا خوف عليهم من عقاب ، ولا هم يحزنون على فوات ثواب. السادس : إن الخوف استشعار غم لفقد مطلوب ، والحزن استشعار غم لفوات محبوب. السابع : لا خوف عليهم فيما بين أيديهم من الدنيا ، ولا هم يحزنون على ما فاتهم منها. الثامن : لا خوف عليهم يوم القيامة ، ولا هم يحزنون فيها. التاسع : إنه أشار إلى أنه يدخلهم الجنة التي هي دار السرور والأمن ، لا خوف عليهم فيها ولا حزن. العاشر : ما قاله ابن زيد : لا خوف عليهم أمامهم ، فليس شيء أعظم في صدر الذي يموت مما بعد الموت ، فأمنهم الله منه ، ثم سلاهم عن الدنيا ، ولا هم يحزنون على ما خلفوه بعد وفاتهم في الدنيا. الحادي عشر : لا خوف حين أطبقت النار ، ولا حزن حين ذبح الموت في صورة كبش على الصراط ، فقيل لأهل الجنة والنار : خلود لا موت. الثاني عشر : لا خوف ولا حزن على الدوام.
وهذه الأقوال كلها متقاربة ، وظاهر الآية عموم نفي الخوف والحزن عنهم ، لكن يخص بما بعد الدنيا ، لأنه في دار الدنيا قد يلحق المؤمن الخوف والحزن ، فلا يمكن حمل الآية على ظاهرها من العموم لذلك.
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ١٠١.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ١٠٣.
(٣) سورة فاطر : ٣٥ / ٣٤.