وعلى هذه الأقوال غير القولين الأولين يكون (سُوءَ الْعَذابِ) مفعولا على إسقاط حرف الجر. وقال بعض الناس : ينتصب سوء العذاب نصب المصدر ، ثم قدره سوما شديدا. وسوء العذاب : الأعمال القذرة ، قاله السدي ، أو الحرث والزراعة والبناء وغير ذلك ، قاله بعضهم. قال : وكان قومه جندا ملوكا ، أو الذبح ، أو الاستحياء المشار إليهما ، قاله الزجاج. ورد ذلك بثبوت الواو في إبراهيم فقال : ويذبحون ، فدل على أنه عذبهم بالذبح وبغير الذبح. وحكي أن فرعون جعل بني إسرائيل خدما في الأعمال من البناء والتخريب والزراعة والخدمة ، ومن لا يعمل فالجزية ، فذوو القوّة ينحتون السواري من الجبال حتى قرحت أعناقهم وأيديهم ودبرت ظهورهم من قطعها ونقلها ، وطائفة ينقلون له الحجارة والطين ويبنون له القصور ، وطائفة يضربون اللبن ويطبخون الآجر ، وطائفة نجارون وحدادون ، والضعفة جعل عليهم الخراج ضريبة يؤدونها كل يوم. فمن غربت عليه الشمس قبل أن يؤديها غلت يده إلى عنقه شهرا. والنساء يغزلن الكتان وينسجن. وأصل نشأة بني إسرائيل بمصر نزول إسرائيل بها زمان ابنه يوسف بها على نبينا وعليهماالسلام.
(يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ) : قراءة الجمهور بالتشديد ، وهو أولى لظهور تكرار الفعل باعتبار متعلقاته. وقرأ الزهري وابن محيصن : يذبحون خفيفا من ذبح المجرد اكتفاء بمطلق الفعل ، وللعلم بتكريره من متعلقاته. وقرأ عبد الله : يقتلون بالتشديد مكان يذبحون ، والذبح قتل ، ويذبحون بدل من يسومونكم ، بدل الفعل من الفعل ، نحو : قوله تعالى : (يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) (١) ، وقول الشاعر :
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا |
|
تجد حطبا جزلا ونارا تأججا |
ويحتمل أن تكون مما حذف منه حرف العطف لثبوته في إبراهيم. وقول من ذهب إلى أن الواو زائدة لحذفها هنا ضعيف. وقال الفراء : الموضع الذي حذفت فيه الواو تفسير لصفات العذاب ، والموضع الذي فيه الواو يبين أنه قد مسهم العذاب ، غير الذبح ، ويجوز أن يكون يذبحون : في موضع الحال ، من ضمير الرفع في : يسومونكم ، ويجوز أن يكون مستأنفا. وفي سبب الذبح والاستحياء أقوال وحكايات مختلفة ، الله أعلم بصحتها ، ومعظمها يدل على خوف فرعون من ذهاب ملكه على يد مولود من بني إسرائيل. والأبناء : الأطفال الذكور ، يقال : إنه قتل أربعين ألف صبي. وقيل : أراد بالأبناء : الرّجال ، وسموا
__________________
(١) سورة الفرقان : ٢٥ / ٦٨ و ٦٩.