بأنهم كانوا يكفرون ويقتلون ، تعليل لضرب الذلة والمسكنة والمباءة بالغضب ، وأن الإشارة بقوله (ذلِكَ بِما عَصَوْا) إشارة إلى الكفر والقتل ، وبما تعليل لهما فيعود العصيان إلى الكفر ، ويعود الاعتداء إلى القتل ، فيكون قد ذكر شيئين وقابلهما بشيئين. كما ذكر أولا شيئين وهما : الضرب والمباءة ، وقابلهما بشيئين وهما : الكفر والقتل ، فجاء هذا لفا ونشرا في المؤمنين ، وذلك من محاسن الكلام وجودة تركيبه ، ويخرج بذلك عن التأكيد الذي لا يصار إليه إلا عند الحاجة ، وذلك بأن يكون الكلام يبعد أن يحمل على التأسيس.
وقد تضمنت هذه الآيات من لطائف الامتنان وغرائب الإحسان لبني إسرائيل فصولا ، منها : أنهم أمروا بدخول القرية التي بها يتحصنون ، والأكل من ثمراتها ما يشتهون ، ثم كلفوا النزر من العمل والقول ، وهو دخول بابها ساجدين ، ونطقهم بلفظة واحدة تائبين ، ورتب على هذا النزر غفران جرائمهم العظيمة وخطاياهم الجسيمة ، فخالفوا في الأمرين فعلا وقولا ، جريا على عادتهم في عدم الامتثال ، فعاقبهم على ذلك بأشد النكال. ثم ذكر تعالى ما كان عليه موسى عليهالسلام من العطف عليهم وسؤال الخير لهم ، وذلك بأن دعا الله لهم بالسقيا ، فأحاله على فعل نفسه بأن أنشأ لهم ، من قرع الصفا بالعصا ، عيونا يجري بها ما يكفيهم من الماء ، معينا على الوصف الذي ذكره تعالى من كون تلك العيون على عدد الأسباط ، حتى لا يقع منهم مشاحة ولا مغالبة ، وأعلمهم بأن ذلك منه رزق ، وأمروا بالأكل منه والشرب ، ثم نهوا عن الفساد ، إذ هو سبب لقطع الرزق. ثم ذكر تعالى تبرمهم من الرزق الذي امتن به عليهم ، فلجوا في طلب ما كان مألوفهم إلى نبيهم فقالوا : (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ) ، وذلك جري على عادته معهم ، إذ كان يناجي ربه فيما كان عائدا عليهم بصلاح دينهم ودنياهم ، وذكر توبيخه لهم على ما سألوه من استبدال الخسيس بالنفيس ، وبما لا نصب في اكتسابه ما فيه العناء الشاق ، إذ ما طلبوه يحتاج إلى استفراغ أوقاتهم المعدة لعبادة ربهم في تحصيله ، ومع ذلك فصارت أغذية مضرة مؤذية جالبة أخلاطا رديئة ، ينشأ عنها طمس أنوار الأبصار والبصائر ، بخلاف ما رزقهم الله ، إذ هو شيء واحد جيد ، ينشأ عنه صحة البدن وجودة الإدراك.
كان الخليل بن أحمد ، رحمهالله ، يستف دقيق الشعير ، ويشرب عليه الماء العذب ، وكان ذهنه أشرق أذهان أهل زمانه ، وكان قوي البدن يغزو سنة ويحج أخرى. ثم أمروا بالحلول فيما فيه مطلبهم والهبوط إلى معدن ما سألوه ، ثم أخبر تعالى بما عاقبهم به من جعلهم أذلاء مساكين ومبائتهم بغضبه ، وإن ذلك متسبب عن كفرهم بالآيات التي هي سبب