المراد به النبي صلىاللهعليهوسلم ، قاله ابن عباس : قالوا ، ويطلق الناس ، ويراد به الرجل الواحد ، وهذا لا يكون إلا على مجاز وتنزيل الرجل الواحد منزلة الجماعة. (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) : أي سلوه باللسان فقط ، وإن لم يكن بالقلب ، قاله ابن عباس. أو تمنوه بقلوبكم واسألوه بألسنتكم ، قاله قوم. أو فسلوه بقلوبكم على أردإ الحزبين من المؤمنين أو منهم. وروي عن ابن عباس وغيره ، وقرأ الجمهور : فتمنوا الموت ، بضم الواو ، وهي اللغة المشهورة في مثل : اخشوا القوم. ويجوز الكسر تشبيها لهذه الواو بواو : ولو استطعنا ، كما شبهوا واو لو بواو اخشوا ، فضموا ، فقالوا : لو استطعنا. وقرأ ابن أبي إسحاق : فتمنوا الموت بالكسر ، وحكى أبو علي الحسن بن إبراهيم بن يزداد ، عن أبي عمرو ، أنه قرأ : فتمنوا الموت ، بفتح الواو ، وحركها بالفتح طلبا للتخفيف ، لأن الضمة والكسرة في الواو يثقلان. وحكى أيضا عن أبي عمرو : واختلاس ضمة الواو.
(إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في دعواكم أن الجنة لكم دون غيركم. وجواب الشرط محذوف ، أي فتمنوا الموت. وعلق تمنيهم على شرط مفقود ، وهو كونهم صادقين ، وليسوا بصادقين في أن الجنة خالصة لهم دون الناس ، فلا يقع التمني : والمقصود من ذلك التحدي وإظهار كذبهم ، وذلك أن من أيقن أنه من أهل الجنة ، اختار أن ينتقل إليها ، وأن يخلص من المقام في دار الأكدار ، وأن يصل إلى دار القرار. كما روي عمن شهد له رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالجنة ، كعثمان ، وعليّ ، وعمار ، وحذيفة ، أنهم كانوا يختارون الموت ، وكذلك الصحابة كانت تختار الشهادة. وفي الحديث الصحيح أنه قال صلىاللهعليهوسلم : «ليتني أحيا ثم أقتل ثم أحيا فأقتل». لما علم من فضل الشهادة. وقال ، لما بلغه قتل من قتل ببئر معونة : «يا ليتني غودرت معهم في لحف الجبل». وروي عن حذيفة أنه كان يتمنى الموت ، فلما احتضر قال : حبيب جاء على فاقة. وعن عمار ، لما كان بصفين قال : غدا نلقى الأحبة ، محمدا وصحبه. وعن عليّ أنه كان يطوف بين الصفين بغلالة ، فقال له ابنه الحسن : ما هذا بزيّ المحاربين ، فقال : يا بنيّ لا يبالي أبوك ، أعلى الموت سقط ، أم عليه سقط الموت. وكان عبد الله بن رواحة ينشد ، وهو يقاتل الروم :
يا حبذا الجنة واقترابها |
|
طيبة وبارد شرابها |
والروم روم قد دنا عذابها
وفي قصتي قتل عثمان وسعيد بن جبير ما يدل على اختيارهما الشهادة ، وذلك أن عثمان جاءه جماعة من الصحابة فقالوا له : نقاتل عنك؟ فقال لهم : لا ، وكان له قريب من