قلبية ، لا دليل فيه ، بل الظاهر أنها بصرية ، والمعنى على أبصريني جوادا. ألا ترى إلى قوله : مات هزلا؟ فإن هذا هو من متعلقات البصر ، فيحتاج في إثبات رأي القلبية متعدية لواحد إلى سماع. وقد قال ابن مالك ، وهو حاشد لغة ، وحافظ نوادر : حين عدى ما يتعدى إلى اثنين ، فقال في التسهيل ، ورأى لا لإبصار ، ولا رأى ، ولا ضرب ، فلو كانت رأى بمعنى عرف ، لنفى ذلك ، كما نفى عن رأي المتعدية إلى اثنين ، كونها لا تكون لأبصار ، ولا رأى ، ولا ضرب. وقال بعض الناس : المراد هنا بالرؤية رؤية البصر والقلب معا ، لأن الحج لا يتم إلا بأمور بعضها يعلم ولا يرى ، وبعضها لا يتم الغرض منه إلا بالرؤية ، فوجب حمل اللفظ على الأمرين جميعا ، وهذا ضعيف ، لأن فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز ، أو حمل اللفظ المشترك على أكثر من موضوع واحد في حالة واحدة ، وهو لا يجوز عندنا. وقرأ ابن كثير : وأرنا ، وأرني خمسة بإسكان الراء. وروي عن أبي عمرو : الإسكان والاختلاس. وروي عنه : الإشباع ، كالباقين ، إلا أن أبا عامر ، وأبا بكر أسكنا في أرنا اللذين. فالإشباع هو الأصل ، والاختلاس حسن مشهور في العربية ، والإسكان تشبيه للمنفصل بالمتصل ، كما قالوا : فخذوا سهله ، كون الحركة فيه ليست لإعراب. وقد أنكر بعض الناس الإسكان من أجل أن الكسرة تدل على ما حذف ، فيقبح حذفها ، يعني أن الأصل كان أرء ، فنقلت حركة الهمزة إلى الراء ، وحذفت الهمزة ، فكان في إقرارها دلالة على المحذوف. وهذا ليس بشيء ، لأن هذا أصل مرفوض ، وصارت الحركة كأنها حركة للراء. وقال الفارسي : ما قاله هذا القائل ليس بشيء. ألا تراهم أدغموا في لكنا هو الله ربي ، أي الأصل لكن ، ثم نقلوا الحركة وحذفوا ، ثم أدغموا؟ فذهاب الحركة في أرنا ليس بدون ذهابها في الإدغام. وأيضا فقد سمع الإسكان في هذا الحرف نصا عن العرب ، قال الشاعر :
أرنا أداوة عبد الله نملؤها |
|
من ماء زمزم إن القوم قد ظمئوا |
وأيضا فهي قراءة متواترة ، فإنكارها ليس بشيء. وذكر المفسرون في كيفية تأدية إبراهيم وإسماعيل هذه المناسك ، أقوالا سبعة مضطربة النقل. وذكروا أيضا من حج هذا البيت من الأنبياء ، ومن مات بمكة منهم. وذكروا أنه مات بها نوح ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، وإسماعيل ، وغيرهم ، ولم تتعرض الآية الكريمة لشيء من ذلك ، فتركنا نقل ذلك على عادتنا.
(وَتُبْ عَلَيْنا) : قالوا التوبة من حيث الشريعة تختلف باختلاف التائبين ، فتوبة سائر