ولكن ما يهمنا هنا : هو أن ما ذكروه في قصة العرنيين يتنافى بشكل ظاهر مع كونه «صلى الله عليه وآله» نهى عن المثلة في أحد. ولو أغمضنا النظر عن ذلك ؛ فإن ما نقلناه عن العسقلاني آنفا يدل على أن نهيه «صلى الله عليه وآله» عن المثلة ، إنما كان في أواخر أيام حياته ؛ لأن سورة المائدة قد كانت من أواخر ما نزل عليه «صلى الله عليه وآله».
نعم ، يمكن أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد قطع أيدي وأرجل العرنيين من خلاف ، لأنهم مفسدون في الأرض. وذلك هو الحكم الثابت لمن يكون كذلك. ثم زاد الرواة وأصحاب الأغراض على ذلك ما شاؤوا.
٥ ـ إنهم يقولون : إن أبا قتادة جعل يريد التمثيل بقريش لما رأى من المثلة ؛ فمنعه «صلى الله عليه وآله» (١).
وهذا هو المناسب لأخلاقه وسجاياه «صلى الله عليه وآله». أما أبو قتادة فإنه إن صح ما نقل عنه يكون قد تصرف هنا بوحي من انفعاله وتأثره ، الناجم عن ثورته النفسية بسبب ذلك المشهد المؤلم.
كما أننا نشك في ما جاء في ذيل هذه الرواية ، الذي يذكر : أنه «صلى الله عليه وآله» قد قرّظ قريشا في هذه المناسبة ، حتى قال : إنه عسى إن طالت بأبي قتادة المدة أن يحقر أعماله مع أعمالهم (٢).
فإننا نعتقد أن هذه التقريظات من زيادات الرواة تزلفا للحكام
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٤١ ، وراجع : مغازي الواقدي ج ١ ص ٢٩٠ و ٢٩١ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٥ ص ١٧.
(٢) راجع المصادر المتقدمة.