أن يعتمد عليهم ، ولذلك نراه يبادر إلى اتهامهم بأنهم قد أخبروا محمدا بمسيرهم ، وعددهم ، وحذروه منهم.
وقد أشير إلى هذه الحالة في حديث سدير ، قال : قلت لأبي عبد الله : إني لألقى الرجل لم أره ولم يرني فيما مضى قبل يومه ذلك ؛ فأحبه حبا شديدا ، فإذا كلمته وجدته لي مثلما أنا عليه له ، ويخبرني : أنه يجد لي مثل الذي أجد له.
فقال : صدقت يا سدير ، إن ائتلاف قلوب الأبرار إذا التقوا ـ وإن لم يظهروا التودد بألسنتهم ـ كسرعة اختلاط قطر السماء مع مياه الأنهار ، وإن بعد ائتلاف قلوب الفجار إذا التقوا ـ وإن أظهروا التودد بألسنتهم ـ كبعد البهائم عن التعاطف ، وإن طال اعتلافها على مذود واحد (١).
ويمكن أن يستفاد هذا المعنى أيضا من بعض الآيات القرآنية ، قال تعالى : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ)(٢).
وقال تعالى : (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(٣).
وقال : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً)(٤).
وموجز القول في سر ذلك : وهو ما أشار إليه الطباطبائي أيضا ، الذي سنكتفي بتلخيص كلامه لما فيه من الخصوصيات ، وإن كان أصل الكلام
__________________
(١) سفينة البحار ج ١ ص ٢٠٤.
(٢) الآيتان ١١٨ و ١١٩ من سورة هود.
(٣) الآية ٦٣ من سورة الأنفال.
(٤) الآية ١٠٣ من سورة آل عمران.