قد كان محط نظرنا أيضا : أن الكفار إنما يلتقون على مصالحهم الدنيوية الشخصية ، ويتفقون ويختلفون على أساسها ؛ وذلك لأن الإنسان يحب بطبعه أن يخص نفسه باللذائذ والنعم ، وعلى هذا الأساس يحب هذا ويبغض ذاك.
وحيث إنه لا يستطيع أن يلبي كل ما يحتاج إليه من ضروريات حياته ؛ فإنه لا بد له من حياة اجتماعية تعينه على ذلك ، ويتبادل مع الآخرين ثمرات الأتعاب ، حيث إن كل شخص له مؤهلات تجعله يختص ببعض الامتيازات لنفسه : من مال ، أو جمال ، أو طاقات فكرية ، أو نفسية ، أو غريزية ، أو غير ذلك.
هذه الامتيازات التي تطمح إليها النفوس ، ويتنافس فيها البشر عموما. وبسبب الاحتكاكات المتوالية ، وما يصاحبها من وجوه الحرمان ، والبغي ، والظلم ، والشح ، والكرم في هذه الأمور التي يتنافسون فيها ، فإن العداوات والصداقات تنتج عن ذلك.
وأما محاولات بذل النعم لفاقديها ، فإنها لا ترفع هذه النزاعات والعداوات وغيرها إلا في موارد جزئية. أما الحالة العامة فتبقى على حالها ؛ لأن هذا البذل لا يبطل غريزة الاستزادة ، والشح الملتهب ، على أن بعض النعم لا تقبل إلا الاختصاص والانفراد ، كالملك ، والرئاسة ، فالشرور والأحقاد التي تتولد عن ذلك باقية على حالها. هذه حالة المجتمع الكافر بالله ، الذي لا يؤمن إلا بالمصلحة الدنيوية الشخصية ، واللذات الحاضرة. ولكن الله قد منّ على المسلمين ، وأزال الشحّ من نفوسهم : (وَمَنْ يُوقَ شُحَ