درجات السداد ، وفي منتهى الموضوعية والنصفة. وتركت عمروا يبوء بعار البغي ، والعدوان ، والتجني بلا مبرر ، ولا سبب على الإطلاق.
فلم يفرض عليه أن يسلم فقط ، بل هو كما عرض عليه أن يسلم من منطلق الإنصاف في الدعوة ، ولإعطائه فرصة أخيرة لينقذ نفسه من النار ، فإنه أيضا يقدم له خيارا آخر لا يتعارض مع رغاتبه وطموحاته ، ولا مع آرائه ومعتقداته ، وهو أن يرجع عن حرب محمد والمسلمين. ثم قدم له ما يثير اهتمامه ، ويقربه إلى اختيار هذه الخصلة مثيرا أمامه ما يوجب إعادة النظر في صوابية القرار الذي اتخذه في خصومته لمحمد «صلى الله عليه وآله» ، مستثيرا في نفسه نوازع الطموح ومستحثا في داخله المشاعر القبلية التي ينزع إليها ، ويعتمد عليها ، حين ذكر له : أنه إن يكن محمد صادقا كان أسعد الناس به ، وإن يك كاذبا كفتهم ذؤبان العرب أمره.
وفي كلمته الأخيرة تلويح يقرب من التصريح بما يراود النفوس عادة من حب السلامة والراحة والابتعاد عن المشاكل والمخاطر.
ولكن ما احتج به عمرو لاتخاذه قراره برفض هذا الخصلة الثانية ما كان غير سراب خادع ينطلق من غرور وعنجهية لا مبرر لهما ، إلا روح الاستكبار والبغي والتجني والظلم الذي جره بالتالي إلى الخزي والخسران في الدنيا وفي الآخرة ، وساء للظالمين بدلا.
ولم يبق أمام أمير المؤمنين «عليه السلام» إلا أن يبادر إلى دفع غائلة هذا الظالم المتجبر فكان النصر على يديه ، وكانت ضربته له التي تعدل عبادة الثقلين.