فقال أبو سفيان ورؤوس الأحزاب : هذا مكر بني قريظة ، فارتحلوا فقد طالت إقامتكم ، فأذنوا بالرحيل ، وبعث الله تعالى عليهم الريح ، حتى ما يكاد أحدهم يهتدي لموضع رحله. فارتحلوا ، فولوا منهزمين.
ويقال : إن حيي بن أخطب قال لأبي سفيان : أنا آخذ لك من بني قريظة سبعين رجلا رهنا عندك حتى يخرجوا فيقاتلوا ، فهم أعرف بقتال محمد وأصحابه ، فكان هذا الذي قال : إن أبا سفيان طلب الرهن.
قال ابن واقد : وأثبت الأشياء عندنا قول نعيم الأول (١).
ونقول :
إننا نلاحظ : أن هذه الرواية ، وكذلك رواية جعل ثلث ثمار المدينة لعيينة بن حصن ، تظهر : أن سعد بن معاذ وعمر بن الخطاب ، يعتقدان أن النبي «صلى الله عليه وآله» يتصرف أحيانا انطلاقا من هدى الوحي ، ووفق التدبير والتسديد الإلهي ، ويتصرف أحيانا أخرى إنطلاقا من رأيه الشخصي ، ووفقا لهواه الذي قد يصيب وقد يخطئ. وهذا بالذات هو ما عبر عنه عمر بن الخطاب هنا.
ثم أظهرت هذه الرواية وتلك : أنه «صلى الله عليه وآله» قد اعترف هو نفسه بهذا الأمر وقرره بصراحة ووضوح.
مع أن نبينا الأكرم أجل من أن يتصرف أو يتكلم بوحي من الهوى وبغير إذن من الله سبحانه. ولا يخرج من بين شفتيه إلا الحق والصدق ، والهدى ، ولا شيء غير ذلك.
__________________
(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٨٦ و ٤٨٧ والمصنف ج ٥ ص ٣٦٨ و ٣٦٩ وكنز العمال ج ١٠ ص ٢٩٢ و ٢٩٣ عن ابن جرير.