ما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ، ولا أشد ريحا منها ، في أصوات ريحها أمثال الصواعق وهي ظلمة ما يرى أحدنا إصبعه. فجعل المنافقون يستأذنون رسول الله ، ويقولون : (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ)(١). فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له ، فيتسللون ، ونحن ثلاث مئة ، أو نحو ذلك.
فطلب النبي «صلى الله عليه وآله» أن يأتيه أحدهم بخبر القوم ، ثلاث مرات ، فلم يجبه أحد من شدة الجوع والقر والخوف ، فقال أبو بكر : يا رسول الله ، ابعث حذيفة.
فلما كلم النبي «صلى الله عليه وآله» حذيفة تقاصر إلى الأرض ، كراهية أن يقوم ، فأمره «صلى الله عليه وآله» بالقيام ، فقال له «صلى الله عليه وآله» : إنه كائن في القوم خبر ، فأتني بخبر القوم.
وفي نص آخر : إن الله قد أخبرني : أنه قد أرسل الرياح على قريش فهزمهم.
فشكى إليه البرد ، فقال له «صلى الله عليه وآله» : لا بأس عليك من حر ولا برد حتى ترجع إلي.
فذكر له أنه يخاف الأسر والتمثيل به فقال : إنك لن تؤسر ، فخرج حذيفة ، فدعا له النبي «صلى الله عليه وآله» ، فذهب الفزع ، والبرد عنه.
قال حذيفة : فمضيت كأنما أمشي في حمام (٢). فلما وليت دعاني ، فقال : يا
__________________
(١) الآية ١٣ من سورة الأحزاب.
(٢) في تفسير القمي ج ٢ ص ١٨٧ والبحار ج ٢٠ ص ٢٣١ : أنه بعد أن اجتاز الخندق شعر كأنه يمشي في حمام. وراجع : الخرائج والجرائح ج ١ ص ١٥٧.