والظاهر من موقف النبي «صلىاللهعليهوآله» من الفارين في مؤتة هو وجوب التصدي حتى لو تيقن بعض المقاتلين بالشهادة ، لأن هذا هو الذي كان يستحق النصر على جيش الروم ، وسيكون نصرا هائلا وعظيما في آثاره وفي بركاته ..
وربما يكون من تلك البركات هو انتشار الإسلام في جميع أنحاء الدولة الرومية ، وفي مناطق نفوذها.
٤ ـ إن هذه النصوص وما يجري مجراها قد بينت أن على أهل الإيمان أن يحتفظوا بصفاء إيمانهم ، وأن يبلغوا في إيمانهم حدا لا يشعرون معه بأن ثمة بونا أو فجوة فيما بين الأمر الاعتقادي ، وبين ما يجري في هذه الحياة الدنيا من أحداث .. فلا يظنون أن الاستشهاد في ساحات الجهاد ، معناه : أن الشهيد قد أودع حفرة ، تأكله فيها هوام الأرض ، وبقي غيره من بعده يتمتع بالنعم ، ويحصل على الأموال والإمتيازات ، ويتقلب في أحضان الملذات والشهوات.
وقد أراد رسول الله «صلىاللهعليهوآله» أن يبين هذه الحقيقة للناس من خلال تقديم صورة حية وواقعية لما جرى للشهداء القادة في مؤتة .. فإن تقديم المفهوم الإيماني ، وغيره ، متجسدا في واقع ينبض بالحياة ، يجعله قادرا على اقتحام القلوب والعقول ، واحتلال موقعه اللائق به فيها.
وكان المثال الأكثر تأثيرا هو ذلك الذي يأتي في اللحظة التي يعيش الناس فيها أجواء إثارة وانفعال ، توهج عاطفي مرتبط بشهيد اختار طريق الشهادة بوعي ، وصلابة ، وباندفاع ، وإخلاص ، وإباء في أجواء زاخرة بالتحدي الذي يتجاوز التصورات ، ليلامس الخيال المغرق في البعد ، حين يواجه ذلك الشهيد مئات الألوف ، ويبذل كل ما يملكه غير آسف على