الله عليه وآله» ، الذي كان لا يتعامل مع الأمور بمنطق العشائرية والقبلية ، بل بروح رسالية ، وتوجيه إلهي كان يزور بيوت الشهداء ، ويواسي عوائلهم ، ويجهش بالبكاء ، ويشاركهم فيما يظهرونه من أسى وألم ..
الأمر الذي يجسد رقته «صلىاللهعليهوآله» وحنانه ، ورأفته ، كما أنه يؤكد رعايته ، وأبوته لتلك العوائل بصورة عملية وواقعية.
ثم هو يدلل على درجة عالية من الإخاء والمصافاة والوفاء .. بين الناس وبين موقع القيادة ، حتى على مستوى النبوة الخاتمة ، حيث إن هذا النبي الكريم والعظيم يعامل من يقر بنبوته ، ويتبع رسالته بهذه الروح ، بعيدا عن أي حالة تشي بتمييز نفسه عنهم ، أو حتى بأية خصوصية له دونهم ، فهو فيهم كأحدهم ، يفرح لفرحهم ، ويحزن لحزنهم ، وتندمج روحه بأرواحهم حبا ، ويذيبها الحنين إليهم شوقا.
شهداء في قبر واحد ، وإخفاء القبر :
قال ابن عنبة : «دفن جعفر ، وزيد بن حارثة ، وعبد الله بن رواحة في قبر واحد ، وعمي القبر» (١).
ولم تبذل محاولة حقيقية لتحديد موضع دفنهم رضوان الله تعالى عليهم إلا في العصور المتأخرة ..
وقد كان من الطبيعي : أن يعمّى موضع قبور الشهداء ، فإن المنطقة قد بقيت في يد الأعداء ، إلى ظهر الإسلام فيها ، ولكن لم يكن هؤلاء
__________________
(١) عمدة الطالب ص ٣٦.