الملك وتلك الدولة تعيش عنفوانا قويا بلغ أقصى مداه بانتصاره على مملكة فارس ، ولا بد أن تكون آثار هذا النصر بالغة العمق على الدولة الرومية وعلى ملكها ، الذي نذر المشي على لزيارة بيت المقدس ، وقد قطع مئات الأميال من أجل الوفاء بنذره هذا.
فما معنى أن تنتصر على هذا الملك وعلى جيشه العظيم الخارج من نصر غال جدا مجموعة صغيرة من الناس كانت تعيش في جاهليتها حالة الإنكفاء ، والإنطواء والإنزواء في صحراء الجزيرة العربية؟!
ولا بد أن يزيد هذا من ثورة الألم لدى قيصر وجيشه ، وهو يرى أن هذه المجموعة الصغيرة تجتاح البلاد التي سيطر عليها عن عمد وقصد ، وتصميم ، ومبادرة متعمدة ، رغم قلة عددها ، ثلاث آلاف لتواجه مئات الألوف .. علما بأن مئة ألف من ذلك الجيش الهائل كان من سنخ اولئك المهاجمين ، ولا يختلف عنهم كثيرا في اللغة ، وفي الذهنية ، وفي التركيبة الإجتماعية ، وفي المفاهيم ، وفي العادات ، والتقاليد ، وما إلى ذلك.
فماذا يمكن لمشركي مكة ان يفعلوا بعد هذا كله .. وبعد أن سحق بغي اليهود ، وسقطت جيوش الشرك طعمة لسيوف أهل الإيمان في المعارك المختلفة ، طيلة تلك السنوات التي خلت.
الإخلاص في العمل أشد من العمل :
وروى عبد الرزاق عن ابن المسيب مرسلا قال : قال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «مثل جعفر ، وزيد ، وابن رواحة في خيمة من در ، فرأيت زيدا ، وابن رواحة في أعناقهما صدودا ، ورأيت جعفرا مستقيما ليس فيه