العذر لأنفسهم عن فرار وشيك ربما يراود أذهانهم ، فيزعمون : أن مواجهة مئات الألوف لا مبرر لها ، لأن احتمالات النصر على تلك الأعداد الهائلة تكاد تكون معدومة ، بل هي معدومة فعلا ..
وأما ما فعله جعفر «عليهالسلام» فإنما هو مبادرة شخصية منه ، وتضحية يحمد عليها ، ولكنها هدر للطاقة ، لا تجدي نفعا ، ولا تحقق نصرا.
فجاءت الكرامة الإلهية له لتقول لهم : إن الله تعالى إذا كان هو الراعي لهم ، والمشرف على حالهم ، وهو الذي ينزل النصر عليهم ، أو يحجبه عنهم.
فعلى كل أنسان أن يقوم بواجبه ، ويمتثل أمر الله ورسوله ، وليس له أن ينظر في نتائج ذلك ، ولا أن يحدد طبيعة النصر ، وحجمه ، ومواصفاته .. ولا أن يدّعي لنفسه المعرفة بالغيب الإلهي فيه.
فلعل المطلوب الإلهي أمر آخر غير النصر العسكري ـ كما كان الحال في كربلاء مثلا ـ ولعل المطلوب هو النصر العسكري ، ولكن بطريقة حجب الله تعالى عنهم بعض عناصرها. ولو بأن تحدث اختلافات ومنازعات بين كتائب جيوش الأعداء ، لأجل ما يرونه من استبسال لدى جنود أهل الإسلام .. وقد ينشأ عن ذلك الإستبسال ، والإستشهاد هداية لطائفة أو لطوائف من جيش الأعداء. وقد تحدث انقسامات بين العرب وبين غيرهم لأكثر من سبب فيما لو طالت الحرب .. إلى غير ذلك من أسباب.
استشهاد ابن رواحة :
روى ابن إسحاق ، قال : قتل جعفر ، فأخذ الراية عبد الله بن رواحة ، ثم تقدم بها وهو على فرسه ، فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد ، ثم قال :