كما أن هذا الإنسان الذي هو مستغرق فيما هو مادي ومحسوس ، إلى درجة أنه إنما يطل على الغيب من خلال ذلك .. يحتاج إلى اختصار المسافة بينه وبين الغيب .. فتأتي الكرامات والمعجزات ، لتقوم بهذه المهمة ، وليكون للغيب أيضا حضوره وشهوده. ليعطي سلاما للروح ، وحياة في الوجدان ، ويقظة في الضمير ، وحركة في العقل بالاتجاه الصحيح ، وعلى أساس من الوعي العميق ، والرؤية الواضحة ، والشمولية ، والواقعية ..
على أن هذه الكرامات تسهل على الإنسان المؤمن أن يعي كيف أن لمسألة الغيب حضورها في كل شيء ، بل هي جزء من حياة هذا الكائن ، وهي مستوعبة لكل المساحات التي ينطلق فيها في حركته نحو الله تعالى ..
فالغيب ليس غائبا عن أي من مواقع حركة هذا الإنسان ، حتى فيما يتخيل أنه مادي صرف ، ولا موقع للغيب فيه ، فإن الغيب كامن في عمق ذاته ، وفي كنه وجوده .. فعليه أن يشعر به في كل المواقع والمواضع من دون استثناء.
ومن جهة أخرى : فقد تمس الحاجة إلى إقامة الحجة على الناس في أمر ظهر فيه تقصيرهم ، أو ظهرت فيهم بوادر هذا التقصير ، كما هو الحال في قضية جعفر «عليهالسلام» في مؤتة ، فإن ظهور هذه الكرامة له ، بأن يطير جسده إلى السماء ولو مقدارا ما .. لا بد أن يقيم الحجة على الأعداء أولا .. من حيث إنه يفتح أمامهم باب الهداية ، ويسهل عليهم الحصول على القناعة من أقرب طريق .. ألا وهو طريق الوجدان ، والإحساس القلبي ، ويختصر المراحل أمامهم ..
ثم هو تعميم للحجة على جيش المسلمين ، الذين قد يخطر ببالهم : التماس