(يستوعب (١) المستثنى منه) ، سواء بقي أقل مما أخرج أم أكثر أم مساو (٢) ، ولأن (٣) المستثنى والمستثنى منه كالشيء الواحد فلا يتفاوت الحال بكثرته (٤) وقلته ،
______________________________________________________
ولم يخالف إلا أبو حنيفة بزعم وجود واسطة بين النفي والإثبات فلا يلزم من نفي النفي إثبات لجواز التوقف.
وفيه أولا : النقض بالاستثناء من الإثبات ، فإن تحقق الواسطة تمنع من إثبات تحقق النفي بعد الاستثناء من الإثبات ، مع أنه قائل بتحقق النفي.
وثانيا : بالنقض أيضا ، أنه لو كان كذلك لما أفاد قولنا لا إله إلا الله إثبات التوحيد ، مع أن الاكتفاء به ثابت بالاتفاق.
وثالثا : بالحل بأنه لا واسطة بين النفي والإثبات لعدم الواسطة بين الوجود والعدم كما تشهد بذلك البداهة والضرورة.
الحكم الثالث : الاستثناء من الجنس بأن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه ، وهو المسمى بالمتصل ، فهو جائز بالاتفاق ، وأما الاستثناء من غير الجنس وهو المسمى بالمنقطع فجائز على الأكثر ، ولوروده في القرآن كما في قوله تعالى : (لٰا يَسْمَعُونَ فِيهٰا لَغْواً إِلّٰا سَلٰاماً) (١) ، وقوله تعالى : (لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) (٢) ، وقوله تعالى : (فَسَجَدُوا إِلّٰا إِبْلِيسَ كٰانَ مِنَ الْجِنِّ) (٣).
والمحكي عن محمد بن الحسن وزفر وأحمد بن حنبل عدم الجواز ، ومما تقدم تعرف ضعفه ، نعم وقع الخلاف بين المجوزين أنه على نحو الحقيقة أو المجاز ، والمحققون على الثاني ، وتظهر الفائدة في أن إطلاقه محمول على الجنس إلا مع قيام القرينة على خلافة ، كقول القائل : له عليّ ألف إلا ثوبا ، فمع عدم القرينة يحمل الألف على الأثواب بناء على الاستعمال الحقيقي ، وعلى الدراهم بناء على الاستعمال المجازي ، وتحقيق المسألة في محله من الأصول.
(١) ضمير الفاعل راجع إلى الاستثناء ، ومع الاستيعاب لا يكون الاستثناء مقبولا ، لعدم الفائدة حينئذ من ذكر المستثنى منه ، نعم مع عدم الاستيعاب تبقى الفائدة بذكر المستثنى منه وهو الدليل الأول على صحة استثناء الأكثر والمساوي والأقل.
(٢) وهذا هو الحكم الأول.
(٣) دليل ثان على صحة مطلق الاستثناء ما لم يستوعب المستثنى منه.
(٤) أي بكثرة المستثنى منه.
__________________
(١) سورة الواقعة ، الآية : ٢٦.
(٢) سورة النساء ، الآية : ٢٩.
(٣) سورة الحجر ، الآية : ٣٠.