الآخر من سنة خمس وأربعين ومائتين ، كتب إليّ أبو طاهر محمّد بن محمّد بن الحسين المعدّل من الكوفة يذكر أن أبا الحسن محمّد بن أحمد بن سفيان الحافظ حدثهم قال : حدّثني بعض البغداديين عن أحمد بن يحيى النّحويّ قال : في سنة ست وثمانين ـ يعني ومائتين ـ ما بقي في عصرنا هذا أحد أعلم بكتاب الله من أبي بكر بن مجاهد!
أخبرني عبيد الله بن أبي الفتح الفارسي ، حدّثنا أبو الفضل الزّهريّ ، حدّثنا أبو الفتح محمّد بن عمر الرفاء قال : سمعت أبا بكر المحبري بالنهروان قال : صليت خلف أبي بكر بن مجاهد صلاة الغداة فاستفتح بقراءة الحمد ثم سكت ، ثم استفتح ثانية ثم سكت ، ثم ابتدأ بالقراءة. فقلت : أيها الشيخ رأيت اليوم منك عجبا! فقال لي : شهدت المكان؟ فقلت : نعم. فقال أشهدتك الله إن حدثت به عني إلى أن أواري تحت أطباق الثرى. فقال لي : يا بني ما هو إلّا أن كبرت تكبيرة الإحرام حتى كأني بالحجب قد انكشفت ما بيني وبين رب العزة تعالى ، سرّا بسر ، ثم استفتحت بقراءة الحمد فاستجمع كل حمد لله في كتابه ما بين عيني ، فلم أدر بأي الحمد أبتدئ.
أخبرنا أبو علي عبد الرّحمن بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن فضالة النّيسابوريّ الحافظ ـ بالري ـ قال : سمعت محمّد بن عبد الله بن المطّلب الشّيبانيّ يقول : تقدمت إلى أبي بكر بن مجاهد لأقرأ عليه ، فتقدم إليه رجل وافر اللحية ، كبير الهامة ، فابتدأ ليقرأ فقال : ترفق يا خليلي.
سمعت محمّد بن الجهم السّمريّ يقول : سمعت الفراء يقول : أدب النفس ، ثم أدب الدرس.
حدّثني الأزهري قال : سمعت عيسى بن علي بن عيسى الوزير يقول : أنشدني أبو بكر بن مجاهد ـ وقد جئته عائدا وأطال عنده قوم كانوا قد حضروا للعيادة ـ فقال لي : يا أبا القاسم عيادة ثم ما ذا؟ فصرف من حضر وهممت بالانصراف معهم ، فأمرني بالرجوع إليه ثم أنشدني عن محمّد بن الجهم :
لا تضجرنّ مريضا جئت عائده |
|
إنّ العيادة يوم إثر يومين |
بل سله عن حاله وادع الإله له |
|
واقعد بقدر فواق بين حلبين |
من زار غبّا أخا دامت مودّته |
|
وكان ذاك صلاحا للخليلين |