فاجلس في الدار الفلانية ـ قد سماها ـ ويحضر هذان الشيخان بحضرتك ، ويتناظران ففعلت ما أمر وحضرا ، فتناظرا في شيء من علم النحو مما أعرفه ، فكنت أشاركهما فيه ، إلى أن دققا فلم أفهم ، ثم عدت إليه بعد انقضاء المجلس فسألني فقلت : إنهما تكلما فيما أعرف فشاركتهما في معرفتي ، ثم دققا فلم أعرف ما قالا ، ولا والله يا سيدي ما يعرف أعلمهما إلّا من هو أعلم منهما ، ولست ذاك الرجل. فقال لي أخي : أحسنت والله ، هذا أحسن ـ يعني اعترافه بذلك ـ.
أخبرنا القاضي أبو العلاء محمّد بن علي الواسطي ، أخبرنا محمّد بن جعفر التميمي بالكوفة قال : قال لنا أبو عمر ـ يعني محمّد بن عبد الواحد ـ سألت أبا بكر ابن السّرّاج فقلت : أي الرجلين أعلم ، أثعلب أم المبرد؟ فقال : ما أقول في رجلين العالم بينهما. قال : ولما مات المبرد وقف رجل على ثعلب فقال :
بيت من الآداب أصبح نصفه |
|
خربا وسائر نصفه فسيخرب |
مات المبرّد وانقضت أيّامه |
|
ومع المبرّد سوف يذهب ثعلب |
وأرى لكم أن تكتبوا ألفاظه |
|
إذ كانت الألفاظ ممّا يكتب |
أخبرني أحمد بن علي بن الحسين المحتسب ، أخبرنا أبو عمر أحمد بن محمّد بن موسى المعروف بابن العلاف ، حدّثنا أبو عمر الزاهد قال : كنت في مجلس أبي العبّاس ثعلب فسأله سائل عن شيء فقال : لا أدري. فقال له : أتقول لا أدري وإليك تضرب أكباد الإبل ، وإليك الرحلة من كل بلد؟! فقال له ثعلب : لو كان لأمك بعدد مالا أدري بعر لاستغنت.
أنبأني القاضي أبو عبد الله محمّد بن سلامة بن جعفر القضاعي المصري ، أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن يعقوب بن إسماعيل ابن خرزاذ النجيرمي ، حدّثنا أبو الحسين علي بن أحمد المهلّبي ، أخبرنا محمّد بن عبد الرّحمن الرّوذباري ، أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الملك التاريخي قال : أبو العبّاس أحمد بن يحيى ثعلب فاروق النّحويّين ، والمعاير على اللغويين ، من الكوفيين والبصريّين ، أصدقهم لسانا ، وأعظمهم شأنا ، وأبعدهم ذكرا ، وأرفعهم قدرا ، وأصحهم علما ، وأوسعهم حلما ، وأتقنهم حفظا ، وأوفرهم حظّا في الدين والدنيا.
حدّثني الفضل بن سلمة بن عاصم قال : رأس أبو العبّاس أحمد بن يحيى ثعلب النّحويّ ، واختلف الناس إليه في سنة خمس وعشرين ومائتين.