انقطاع الحيلة والتحير في الأمر فقل عييت ـ مخفقة. فأنف من هذه الكلمة ، ثم قام من فوره ذلك فسأل عمن يعلم النحو ، فأرشدوه إلى معاذ الهراء ، فلزمه حتى أنفد ما عنده ، ثم خرج إلى البصرة فلقى الخليل وجلس في حلقته ، فقال له رجل من الأعراب : تركت أسد الكوفة وتميمها وعندها الفصاحة ، وجئت إلى البصرة؟ فقال للخليل : من أين أخذت علمك هذا؟ فقال من بوادي الحجاز ، ونجد ، وتهامة ، فخرج ورجع وقد أنفد خمس عشرة قنينة حبرا في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ ، فلم يكن له هم غير البصرة والخليل ، فوجد الخليل قد مات ، وقد جلس في موضعه يونس النّحويّ فمرت بينهم مسائل أقر له يونس فيها وصدره موضعه.
أنبأنا عليّ بن أحمد بن عمر المقرئ ، أخبرنا عبد الواحد بن عمر بن محمّد بن أبي هاشم ، حدّثني محمّد بن سليمان بن محبوب ، حدّثنا أبو عبد الرّحمن البصريّ ـ مردويه ـ حدّثنا عليّ بن عبد الله الخياط المدني ، حدّثنا عبد الرّحيم بن موسى قال : قلت للكسائي : لم سميت الكسائي؟ قال : لأني أحرمت في كساء.
قلت : وقد قيل في تسميته الكسائي قول آخر.
أخبرنا محمّد بن عليّ الصوري ، أخبرنا أبو الحسن عبيد الله بن القاسم الهمدانيّ القاضي ـ بطرابلس ـ حدّثنا أبو الحسن عليّ بن محمّد الحراني الأرزّيّ ـ إملاء من حفظه ـ حدّثنا أبو بكر محمّد بن يحيى بن سليمان المروزيّ قال : سألت خلف بن هشام : لم سمي الكسائي كسائيا؟ فقال : دخل الكسائي الكوفة فجاء إلى مسجد السبيع ، وكان حمزة بن حبيب الزيات يقرئ فيه ، فتقدم الكسائي مع أذان الفجر فجلس وهو ملتف بكساء من البركان الأسود (١) ، فلما صلى حمزة قال من تقدم في الوقت يقرأ ، قيل له : الكسائي أول من تقدم ، يعنون صاحب الكساء ، فرمقه القوم بأبصارهم ، فقالوا : إن كان حائكا فسيقرأ سورة يوسف ، وإن كان ملاحا فسيقرأ سورة طه. فسمعهم فابتدأ بسورة يوسف ، فلما بلغ إلى قصة الذئب قرأ : (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) [يوسف ١٧] بغير همز. فقال له حمزة : الذئب، بالهمز فقال له الكسائي : وكذلك أهمز الحوت فالتقمه الحوت؟ قال : لا ، قال : فلم همزت الذئب ولم تهمز الحوت؟ وهذا فأكله الذئب ، وهذا فالتقمه الحوت؟ فرفع حمزة بصره إلى خلاد الأحول ـ وكان أجمل غلمانه ـ فتقدم إليه في جماعة من أهل المجلس ، فناظروه فلم
__________________
(١) يقال للكساء الأسود : البركان والركانى ، مشددتين.