وهذا عمل له ارتباط قوي بمناسبة خلق الرسول لطباع أمّته حتّى يلائم خلقه الوسائل المتوسّل بها لحمل أمّته على الشّريعة الناجحة في البلوغ بهم إلى مراد الله تعالى منهم.
أرسل محمّد صلىاللهعليهوسلم مفطورا على الرحمة ، فكان لينه رحمة من الله بالأمّة في تنفيذ شريعته بدون تساهل وبرفق وإعانة على تحصيلها ، فلذلك جعل لينه مصاحبا لرحمة من الله أودعها الله فيه ، إذ هو قد بعث للنّاس كافّة ، ولكن اختار الله أن تكون دعوته بين العرب أول شيء لحكمة أرادها الله تعالى في أن يكون العرب هم مبلغي الشّريعة للعالم.
والعرب أمّة عرفت بالأنفة ، وإباء الضيم ، وسلامة الفطرة. وسرعة الفهم. وهم المتلقّون الأوّلون للدين فلم تكن تليق بهم الشّدة والغلظة ، ولكنّهم محتاجون إلى استنزال طائرهم في تبليغ الشريعة لهم ، ليتجنّبوا بذلك المكابرة الّتي هي الحائل الوحيد بينهم وبين الإذعان إلى الحقّ. وورد أن صفح النّبيء صلىاللهعليهوسلم وعفوه ورحمته كان سببا في دخول كثير في الإسلام ، كما ذكر بعض ذلك عياض في كتاب الشفاء.
فضمير (لَهُمْ) عائد على جميع الأمّة كما هو مقتضى مقام التّشريع وسياسة الأمّة ، وليس عائدا على المسلمين الّذين عصوا أمر الرسول يوم أحد ، لأنّه لا يناسب قوله بعده : (لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) إذ لا يظنّ ذلك بالمسلمين ، ولأنّه لا يناسب قوله بعده : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) إذا كان المراد المشاورة للاستعانة بآرائهم ، بل المعنى : لو كنت فظّا لنفرك كثير ممّن استجاب لك فهلكوا ، أو يكون الضّمير عائدا على المنافقين المعبّر عنهم بقوله : (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) [آل عمران : ١٥٤] فالمعنى : ولو كنت فظّا لأعلنوا الكفر وتفرّقوا عنك ، وليس المراد أنّك لنت لهم في وقعة أحد خاصّة ، لأنّ قوله بعده: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) إلخ ينافي ذلك المحمل.
والفظّ : السيئ الخلق ، الجافي الطبع.
والغليظ القلب : القاسية ، إذ الغلظة مجاز عن القسوة وقلّة التسامح ، كما كان اللين مجازا في عكس ذلك ، وقالت جواري الأنصار لعمر ـ حين انتهرهنّ ـ «أنت أفظّ وأغلظ من رسول الله» يردن أنت فظّ وغليظ دون رسول الله.
والانفضاض : التفرق. و (مِنْ حَوْلِكَ) أي من جهتك وإزائك ، يقال : حوله وحوليه وحواليه وحواله وحياله وبحياله. والضّمير للذين حول رسول الله ، أي الّذين دخلوا في الدّين لأنّهم لا يطيقون الشدّة ، والكلام تمثيل : شبّهت هيئة النفور منه وكراهية الدخول في