دينه بالانفضاض من حوله أي الفرار عنه متفرّقين ، وهو يؤذّن بأنّهم حوله متّبعون له.
والتّفريع في قوله : (فَاعْفُ عَنْهُمْ) على قوله : (لِنْتَ لَهُمْ) الآية ، لأنّ جميع الأفعال المأمور بها مناسب للين ، فأمّا العفو والاستغفار فأمرهما ظاهر ، وأمّا عطف (وَشاوِرْهُمْ) فلأنّ الخروج إلى أحد كان عن تشاور معهم وإشارتهم ، ويشمل هذا الضّمير جميع الّذين لان لهم صلىاللهعليهوسلم وهم أصحابه الّذين حوله سواء من صدر منهم أمر يوم أحد وغيرهم.
والمشاورة مصدر شاور ، والاسم الشّورى والمشورة ـ بفتح الميم وضم الشّين ـ أصلها مفعلة ـ بضمّ العين ، فوقع فيها نقل حركة الواو إلى الساكن ـ. قيل : المشاورة مشتقّة من شار الدابّة إذا اختبر جريها عند العرض على المشتري ، وفعل شار الدابّة مشتقّ من المشوار وهو المكان الّذي تركض فيه الدوابّ. وأصله معرّب (نشخوار) بالفارسية وهو ما تبقيه الدابّة من علفها. وقيل : مشتقّة من شار العسل أي جناه من الوقبة لأنّ بها يستخرج الحقّ والصّواب ، وإنّما تكون في الأمر المهمّ المشكل من شئون المرء في نفسه أو شئون القبيلة أو شئون الأمة.
و (أل) في الأمر للجنس ، والمراد بالأمر المهمّ الّذي يؤتمر له ، ومنه قولهم : أمر أمر ، وقال أبو سفيان لأصحابه ـ في حديث هرقل ـ : «لقد أمر أمر ابن أبي كبشة ، إنّه يخافه ملك بني الأصفر». وقيل : أريد بالأمر أمر الحرب فاللام للعهد.
وظاهر الأمر أنّ المراد المشاورة الحقيقية الّتي يقصد منها الاستعانة برأي المستشارين بدليل قوله عقبه : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) فضمير الجميع في قوله : (وَشاوِرْهُمْ) عائد على المسلمين خاصة : أي شاور الّذين أسلموا من بين من لنت لهم ، أي لا يصدّك خطل رأيهم فيما بدا منهم يوم أحد عن أن تستعين برأيهم في مواقع أخرى ، فإنّما كان ما حصل فلتة منهم ، وعشرة قد أقلتهم منها.
ويحتمل أن يراد استشارة عبد الله بن أبي وأصحابه ، فالمراد الأخذ بظاهر أحوالهم وتأليفهم ، لعلّهم أن يخلصوا الإسلام أو لا يزيدوا نفاقا ، وقطعا لأعذارهم فيما يستقبل.
وقد دلّت الآية على أن الشّورى مأمور بها الرسول صلىاللهعليهوسلم فيما عبّر عنه ب (الأمر) وهو مهمّات الأمّة ومصالحها في الحرب وغيره ، وذلك في غير أمر التّشريع لأنّ أمر التّشريع إن كان فيه وحي فلا محيد عنه ، وإن لم يكن فيه وحي وقلنا بجواز الاجتهاد للنّبي صلىاللهعليهوسلم