يكن معمولا به ، لم يكن في ذلك تطييب لنفوسهم ولا رفع لأقدارهم ، بل فيه إيحاشهم فالمشاورة لم تفد شيئا فهذا تأويل ساقط. وقال النووي ، في صدر كتاب الصلاة من «شرح مسلم» : الصحيح عندهم وجوبها وهو المختار. وقال الفخر : ظاهر الأمر أنّه للوجوب. ولم ينسب العلماء للحنفية قولا في هذا الأمر إلا أنّ الجصّاص قال في كتابه أحكام القرآن عند قوله تعالى : (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) : هذا يدلّ على جلالة وقع المشورة لذكرها مع الإيمان وإقامة الصّلاة ويدلّ على أنّنا مأمورون بها. ومجموع كلامي الجصّاص يدلّ أن مذهب أبي حنيفة وجوبها.
ومن السلف من ذهب إلى اختصاص الوجوب بالنّبيء صلىاللهعليهوسلم قاله الحسن وسفيان ، قالا : وإنّما أمر بها ليقتدى به غيره وتشيع في أمّته وذلك فيما لا وحي فيه. وقد استشار النّبيء صلىاللهعليهوسلم أصحابه في الخروج لبدر ، وفي الخروج إلى أحد ، وفي شأن الأسرى يوم بدر ، واستشار عموم الجيش في ردّ سبي هوازن.
والظاهر أنّها لا تكون في الأحكام الشرعية لأنّ الأحكام إن كانت بوحي فظاهر ، وإن كانت اجتهادية ، بناء على جواز الاجتهاد للنّبي صلىاللهعليهوسلم في الأمور الشرعية ، فالاجتهاد إنّما يستند للأدلّة لا للآراء وإذا كان المجتهد من أمّته لا يستشير في اجتهاده ، فكيف تجب الاستشارة على النّبيء صلىاللهعليهوسلم مع أنّه لو اجتهد وقلنا بجواز الخطإ عليه فإنّه لا يقرّ على خطإ باتّفاق العلماء. ولم يزل من سنّة خلفاء العدل استشارة أهل الرأي في مصالح المسلمين ، قال البخاري في كتاب الاعتصام من «صحيحه» : «وكانت الأئمة بعد النّبيء صلىاللهعليهوسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم ، وكان القرّاء أصحاب مشورة عمر : كهولا كانوا أو شبّانا ، وكان وقّافا عند كتاب الله». وأخرج الخطيب عن عليّ قال : «قلت : يا رسول الله الأمر ينزل بعدك لم ينزل فيه قرآن ولم يسمع منك فيه شيء ـ قال : اجمعوا له العابد من أمّتي واجعلوه بينكم شورى ولا تقضوه برأي واحد» واستشار أبو بكر في قتال أهل الردّة ، وتشاور الصّحابة في أمر الخليفة بعد وفاة النّبيء صلىاللهعليهوسلم ، وجعل عمر ـ رضياللهعنه ـ الأمر شورى بعده في ستّة عيّنهم ، وجعل مراقبة الشورى لخمسين من الأنصار ، وكان عمر يكتب لعمّاله يأمرهم بالتّشاور ، ويتمثّل لهم في كتابه بقول الشاعر (لم أقف على اسمه) :
خليليّ ليس الرأي في صدر واحد |
|
أشيرا عليّ بالّذي تريان |
هذا والشورى ممّا جبل لله عليه الإنسان في فطرته السليمة أي فطره على محبّة الصلاح وتطلّب النجاح في المساعي ، ولذلك قرن الله تعالى خلق أصل البشر بالتّشاور في