خزيا عظيما. ونظّره صاحب «الكشاف» بقول رعاة العرب : «من أدرك مرعى الصّمّان فقد أدرك» أي فقد أدرك مرعى مخصبا لئلّا يكون معنى الجزاء ضروري الحصول من الشرط فلا تظهر فائدة للتعليق بالشرط ، لأنّه يخلي الكلام عن الفائدة حينئذ. وقد تقدّم شيء من هذا عند قوله تعالى : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ)[آل عمران : ١٨٥].
ولأجل هذا أعقبوه بما في الطباع التفادي به عن الخزي والمذلّة بالهرع إلى أحلافهم وأنصارهم ، فعلموا أن لا نصير في الآخرة للظالم فزادوا بذلك تأكيدا للحرص على الاستعاذة من عذاب النار إذ قالوا : (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) أي لأهل النار من أنصار تدفع عنهم الخزي.
وقوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً) أرادوا به النبي محمدا صلىاللهعليهوسلم. والمنادي ، الذي يرفع صوته بالكلام. والنداء : رفع الصوت بالكلام رفعا قويا لأجل الإسماع وهو مشتقّ من النداء ـ بكسر النون وبضمّها ـ وهو الصوت المرتفع. يقال : هو أندى صوتا أي أرفع ، فأصل النداء الجهر بالصوت والصياح به ، ومنه سمّي دعاء الشخص شخصا ليقبل إليه نداء ، لأنّ من شأنه أن يرفع الصوت به ؛ ولذلك جعلوا له حروفا ممدودة مثل (يا) و (آ) و (أيا) و (هيا). ومنه سمّي الأذان نداء ، وأطلق هنا على المبالغة في الإسماع والدعوة وإن لم يكن في ذلك رفع صوت ، ويطلق النداء على طلب الإقبال بالذات أو بالفهم بحروف معلومة كقوله تعالى : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) [فصلت : ١٠٤ ، ١٠٥] ويجوز أن يكون هو المراد هنا لأنّ النبي يدعو الناس بنحو : يا أيّها الناس ويا بني فلان ويا أمّة محمد ونحو ذلك ، وسيأتي تفسير معاني النداء عند قوله تعالى : (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ) في سورة الأعراف [٤٣]. واللام لام العلّة ، أي لأجل الإيمان بالله.
و (أن) في (أَنْ آمِنُوا) تفسيرية لما في فعل (ينادي) من معنى القول دون حروفه.
وجاءوا بفاء التعقيب في (فآمنّا) : للدلالة على المبادرة والسبق إلى الإيمان ، وذلك دليل سلامة فطرتهم من الخطأ والمكابرة ، وقد توسّموا أن تكون مبادرتهم لإجابة دعوة الإسلام مشكورة عند الله تعالى ، فلذلك فرّعوا عليه قولهم : (فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) لأنّهم لمّا بذلوا كلّ ما في وسعهم من اتّباع الدين كانوا حقيقين بترجّي المغفرة.
والغفر والتكفير متقاربان في المادة المشتقين منها إلّا أنّه شاع الغفر والغفران في العفو عن الذنب والتكفير في تعويض الذنب بعوض ، فكأنّ العوض كفّر الذنب أي ستره ، ومنه سمّيت كفّارة الإفطار في رمضان. وكفّارة الحنث في اليمين إلّا أنهم أرادوا بالذنوب