والقيوم : القائم بتدبير النّاس ، مبالغة في القيّم ، أي الذي لا يفوته تدبير شيء من الأمور. وتقدم (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) في سورة البقرة [٢٥٥].
وجملة (وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) ؛ إما معترضة في آخر الكلام تفيد التعليل إن جعل التعريف في (الْوُجُوهُ) عوضا عن المضاف إليه ، أي وجوه المجرمين. والمعنى : إذ قد خاب كلّ من حمل ظلما ؛ وإما احتراس لبيان اختلاف عاقبة عناء الوجوه ، فمن حمل ظلما فقد خاب يومئذ واستمر عناؤه ، ومن عمل صالحا عاد عليه ذلك الخوف بالأمن والفرح. والظلم : ظلم النفس.
وجملة (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) إلخ : شرطية مفيدة قسيم مضمون جملة (وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً). وصيغ هذا القسيم في صيغة الشرط تحقيقا للوعد ، و (فَلا يَخافُ) جواب الشرط ، واقترانه بالفاء علامة على أن الجملة غير صالحة لموالاة أداة الشرط ، فتعين ؛ إما أن تكون (لا) التي فيها ناهية ، وإما أن يكون الكلام على نيّة الاستئناف. والتقدير : فهو لا يخاف.
وقرأ الجمهور (فَلا يَخافُ) بصيغة المرفوع بإثبات ألف بعد الخاء ، على أن الجملة استئناف غير مقصود بها الجزاء ، كأن انتفاء خوفه أمر مقرر لأنه مؤمن ويعمل الصالحات. وقرأه ابن كثير بصيغة الجزم بحذف الألف بعد الخاء ، على أن الكلام نهي مستعمل في الانتفاء. وكتبت في المصحف بدون ألف فاحتملت القراءتين. وأشار الطيبي إلى أن الجمهور توافق قوله تعالى : (وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) في أن كلتا الجملتين خبرية. وقراءة ابن كثير تفيد عدم التردد في حصول أمنه من الظلم والهضم ، أي في قراءة الجمهور خصوصية لفظية وفي قراءة ابن كثير خصوصية معنوية.
ومعنى (فَلا يَخافُ ظُلْماً) لا يخاف جزاء الظالمين لأنّه آمن منه بإيمانه وعمله الصالحات.
والهضم : النقص ، أي لا ينقصون من جزائهم الذي وعدوا به شيئا كقوله (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) [هود : ١٠٩].
ويجوز أن يكون الظلم بمعنى النقص الشديد كما في قوله (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) [الكهف : ٣٣] ، أي لا يخاف إحباط عمله ، وعليه يكون الهضم بمعنى النقص الخفيف ، وعطفه على الظلم على هذا التفسير احتراس.