على قدر أهل العزم تأتي العزائم
قال في أثنائها يصف موقعة بين سيف الدولة والروم في ثغر الحدث :
وقفت ما في الموت شك لواقف |
|
كأنك في جفن الردى وهو نائم |
تمرّ بك الأبطال كلمى هزيمة |
|
ووجهك وضّاح وثغرك باسم |
فاستعادها سيف الدولة منه بعد ذلك فلما أنشده هذين البيتين ، قال له سيف الدولة : إن صدري البيتين لا يلائمان عجزيهما وكان ينبغي أن تقول :
وقفت وما في الموت شك لواقف |
|
ووجهك وضّاح وثغرك باسم |
تمرّ بك الأبطال كلمى هزيمة |
|
كأنك في جفن الردى وهو نائم |
وأنت في هذا مثل امرئ القيس في قوله :
كأني لم أركب جوادا للذة |
|
ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال |
ولم أسبإ الزقّ الرويّ ولم أقل |
|
لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال |
ووجه الكلام على ما قال العلماء بالشعر أن يكون عجز البيت الأول للثّاني وعجز البيت الثاني للأول ليستقيم الكلام فيكون ركوب الخيل مع الأمر للخيل بالكر ، ويكون سباء الخمر للذة مع تبطن الكاعب. فقال أبو الطيّب : أدام الله عزّ الأمير ، إن صح أن الذي استدرك على امرئ القيس هذا أعلم منه بالشعر فقد أخطأ امرؤ القيس وأخطأت أنا ، ومولانا يعرف أن الثوب لا يعرفه البزاز معرفة الحائك لأن البزاز لا يعرف إلّا جملته والحائك يعرف جملته وتفصيله لأنه أخرجه من الغزليّة إلى الثوبية. وإنما قرن امرؤ القيس لذّة النساء بلذة الركوب للصيد ، وقرن السماحة في شراء الخمر للأضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء. وأنا لما ذكرت الموت أتبعته بذكر الردى لتجانسه ولما كان وجه المهزوم لا يخلو أن يكون عبوسا وعينه من أن تكون باكية قلت :
ووجهك وضّاح وثغرك باسم
لأجمع بين الأضداد في المعنى.
ومعنى هذا أن امرؤ القيس خالف مقتضى الظاهر في جمع شيئين مشتهري المناسبة فجمع شيئين متناسبين مناسبة دقيقة ، وأن أبا الطيّب خالف مقتضى الظاهر من جمع النظيرين ففرقهما لسلوك طريقة أبدع ، وهي طريقة الطباق بالتضاد وهو أعرق في صناعة البديع.