والبغي : الاعتداء ، والاعتداء على الأمة الاستخفاف بحقوقها ، وأول ذلك خرق شريعتها. وفي الإخبار عنه بأنه (مِنْ قَوْمِ مُوسى) تمهيد للكناية بهذا الخبر عن إرادة التنظير بما عرض لرسول الله صلىاللهعليهوسلم من بغي بعض قرابته من المشركين عليه.
وفي قوله (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى) محسّن بديعي وهو ما يسمى النثر المتزن ، أي النثر الذي يجيء بميزان بعض بحور الشعر ، فإن هذه الجملة جاءت على ميزان مصراع من بحر الخفيف ، ووجه وقوع ذلك في القرآن أن الحال البلاغي يقتضي التعبير بألفاظ وتركيب يكون مجموعه في ميزان مصراع من أحد بحور الشعر.
وجملة (إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) صلة (ما) الموصولة عند نحاة البصرة الذين لا يمنعون أن تقع (إِنَ) في افتتاح صلة الموصول. ومنع الكوفيون من ذلك واعتذر عنهم بأن ذلك غير مسموع في كلام العرب ولذلك تأولوا (ما) هنا بأنها نكرة موصوفة وأن الجملة بعدها في محل الصفة.
والمفاتح : جمع مفتح بكسر الميم وفتح المثناة الفوقية وهو آلة الفتح ، ويسمى المفتاح أيضا. وجمعه مفاتيح وقد تقدم عند قوله تعالى (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) في سورة الأنعام [٥٩].
و (الْكُنُوزِ) : جمع كنز وهو مختزن المال من صندوق أو خزانة ، وتقدم في قوله تعالى (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ) في سورة هود [١٢] ، وأنه كان يقدر بمقدار من المال مثل ما يقولون : بدرة مال ، وأنه كان يجعل لذلك المقدار خزانة أو صندوق يسعه ولكل صندوق أو خزانة مفتاحه. وعن أبي رزين لقيط بن عامر العقيلي أحد الصحابة أنه قال «يكفي الكوفة مفتاح» أي مفتاح واحد ، أي كنز واحد من المال له مفتاح ، فتكون كثرة المفاتيح كناية عن كثرة الخزائن وتلك كناية عن وفرة المال فهو كناية بمرتبتين مثل :
جبان الكلب مهزول الفصيل
(وتنوء) : تثقل. ويظهر أن الباء في قوله (بِالْعُصْبَةِ) باء الملابسة أن تثقل مع العصبة الذين يحملونها فهي لشدة ثقلها تثقل مع أن حملتها عصبة أولو قوة وليست هذه الباء باء السببية كالتي في قول امرئ القيس :
وأردف إعجازا وناء بكلكل
ولا كمثال صاحب «الكشاف» : ناء به الحمل ، إذا أثقله الحمل حتى أماله.