وفيه إيماء إلى تعظيم شأن الرسول صلىاللهعليهوسلم.
ومعنى (فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) اختاره لك من قولهم : فرض له كذا ، إذا عيّن له فرضا ، أي نصيبا. ولما ضمن (فَرَضَ) معنى (أنزل) لأن فرض القرآن هو إنزاله ، عدّي فرض بحرف (على).
والردّ : إرجاع شيء إلى حاله أو مكانه. والمعاد : اسم مكان العود ، أي الأول كما يقتضيه حرف الانتهاء. والتنكير في (مَعادٍ) للتعظيم كما يقتضيه مقام الوعد والبشارة ، وموقعهما بعد قوله (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها)(١) [القصص : ٨٤] ، أي إلى معاد أيّ معاد.
والمعاد يجوز أن يكون مستعملا في معنى آخر أحوال الشيء وقراره الذي لا انتقال منه تشبيها بالمكان العائد إليه بعد أن صدر منه أو كناية عن الإخارة فيكون مرادا به الحياة الآخرة. قال ابن عطية : وقد اشتهر يوم القيامة بالمعاد لأنه معاد الكل اه. أي فأبشر بما تلقى في معادك من الكرامة التي لا تعادلها كرامة والتي لا تعطى لأحد غيرك. فتنكير (مَعادٍ) أفاد أنه عظيم الشأن ، وترتبه على الصلة أفاد أنه لا يعطى لغيره مثله كما أن القرآن لم يفرض على أحد مثله.
ويجوز أن يراد بالمعاد معناه المشهود القريب من الحقيقة. وهو ما يعود إليه المرء إن غاب عنه ، فيراد به هنا بلده الذي كان به وهو مكة. وهذا الوجه يقتضي أنه كناية عن خروجه منه ثم عوده إليه لأن الرد يستلزم المفارقة. وإذ قد كانت السورة مكية ورسول اللهصلىاللهعليهوسلم في مكة فالوعد بالرد كناية عن الخروج منه قبل أن يردّ عليه. وقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم أري في النوم أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل كما في حديث البخاري ، وكان قال له ورقة ابن نوفل : يا ليتني أكون معك إذ يخرجك قومك وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا ، فما كان ذلك كله ليغيب عن علم رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أنه قد قيل : إن هذه الآية نزلت عليه وهو في الجحفة في طريقه إلى الهجرة كما تقدم في أول السورة فوعد بالرد عليها وهو دخوله إليها فاتحا لها ومتمكنا منها. فقد روي عن ابن عباس تفسير المعاد بذلك وكلا الوجهين يصح أن يكون مرادا على ما تقرر في المقدمة التاسعة.
__________________
(١) في المطبوعة (عشر أمثالها).