وقيل النهي للتهييج لإثارة غضب النبي صلىاللهعليهوسلم عليهم وتقوية داعي شدته معهم. ووجه تأويل النهي بصرفه عن ظاهره أو عن بعض ظاهره هو أن المنهي عنه لا يفرض وقوعه من الرسول صلىاللهعليهوسلم حتى ينهى عنه فكان ذلك قرينة على أنه مؤوّل.
وتوجيه النهي إليه عن أن يصدوه عن آيات الله في قوله (وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ) كناية عن نهيه عن أن يتقبل منهم ما فيه صد عن آيات الله كما يقول العرب : لا أعرفنّك تفعل كذا ، كنوا به عن : أنه لا يفعله. فيعرف المتكلم الناهي فعله. والمقصود : تحذير المسلمين من الركون إلى الكافرين في شيء من شئون الإسلام فإن المشركين يحاولون صرف المسلمين عن سماع القرآن (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت : ٢٦].
وقيل هو للتهييج أيضا ، وتأويل هذا النهي آكد من تأويل قوله (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ).
ويجوز أن يكون النهي في (لا يَصُدُّنَّكَ) نهي صرفة كما كان الأمر في قوله (فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا) [البقرة : ٢٤٣] أمر تكوين. فالمعنى : أن الله قد ضمن لرسوله صرف المشركين عن أن يصدوه عن آيات الله وذلك إذ حال بينه وبينهم بأن أمره بالهجرة ويسّرها له وللمسلمين معه.
والتقييد بالبعدية في قوله (بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ) لتعليل النهي أياما كان المراد منه ، أي لا يجوز أن يصدّوك عن آيات الله بعد إذ أنزلها إليك فإنه ما أنزلها إليك إلا للأخذ بها ودوام تلاوتها ، فلو فرض أن يصدوك عنها لذهب إنزالها إليك بطلا وعبثا كقوله تعالى (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) [البقرة : ٢١٣].
والأمر في قوله (وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) مستعمل في الأمر بالدوام على الدعوة إلى الله لا إلى إيجاد الدعوة لأن ذلك حاصل ، أي لا يصرفك إعراض المشركين عن إعادة دعوتهم إعذارا لهم.
ويجوز أن يكون الدعاء مستعملا في الأكمل من أنواعه ، أي أنك بعد الخروج من مكة أشد تمكنا في الدعوة إلى الله مما كنت من قبل لأن تشغيب المشركين عليه كان يرنّق صفاء تفرغه للدعوة.
وجميع هذه النواهي والأوامر داخلة في حيّز التفريع بالفاء في قوله (فَلا تَكُونَنَ