نبعث نحن ولا أنتم فإن عسى كان ذلك فإنا نحمل عنكم آثامكم. وإنما قالوا ذلك جهلا وغرورا حاولوا بهما أن يحجّوا المسلمين في إيمانهم بالبعث توهّما منهم بأنهم إن كان البعث واقعا فسيكونون في الحياة الآخرة كما كانوا في الدنيا أهل ذمام وحمالة ونقض وإبرام شأن سادة العرب أنهم إذا شفعوا شفّعوا وإن تحمّلوا حمّلوا.
وهذا كقول العاصي بن وائل لخباب بن الأرتّ : لئن بعثني الله ليكوننّ لي مال فأقضيك دينك ، وهو الذي نزل فيه قوله تعالى (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) [مريم : ٧٧]. وكل هذا من الجدال بالباطل وهو طريقة جدلية إن بنيت على الحق كما ينسب إلى علي بن أبي طالب في ضد هذا :
زعم المنجم والطبيب كلاهما |
|
لا تحشر الأجساد قلت إليكما |
إن صحّ قولكما فلست بخاسر |
|
أو صحّ قولي فالخسار عليكما |
وحكى الله عنهم قولهم (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) بصيغة الأمر بلام الأمر : إما لأنهم نطقوا بمثل ذلك لبلاغتهم ، وإما لإفادة ما تضمنته مقالتهم من تأكيد تحملهم بذلك. فصيغة أمرهم أنفسهم بالحمل آكد من الخبر عن أنفسهم بذلك ، ومن الشرط وما في معناه ، لأن الأمر يستدعي الامتثال فكانت صيغة الأمر دالة على تحقيق الوفاء بالحمالة.
وواو العطف لجملة (وَلْنَحْمِلْ) على جملة (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا) مراد منها المعية بين مضمون الجملتين في الأمر وليس المراد منه الجمع في الحصول فالجملتان في قوة جملتي شرط وجزاء ، والتعويل على القرينة.
فكان هذا القول أدل على تأكيد الالتزام بالحالة إن اتبع المسلمون سبيل المشركين ، من أن يقال : إن تتبعوا سبيلنا نحمل خطاياكم ، بصيغة الشرط ، أو أن يقال : اتبعوا سبيلنا فنحمل خطاياكم ، بفاء السببية.
والحمل : مجاز تمثيلي لحال الملتزم بمشقة غيره بحال من يحمل متاع غيره فيؤول إلى معنى الحمالة والضمان.
ودل قوله (خَطاياكُمْ) على العموم لأنه جمع مضاف وهو من صيغ العموم.
وقوله (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ) إبطال لقولهم (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) ، نقض العموم في الإثبات بعموم في النفي ، لأن (شَيْءٍ) في سياق النفي يفيد العموم لأنه نكرة ، وزيادة حرف (مِنْ) تنصيص على العموم.