و (إِبْراهِيمَ) عطف على (نُوحاً) [العنكبوت : ١٤]. والتقدير : وأرسلنا إبراهيم.
و (إِذْ) ظرف متعلق ب (أرسلنا) المقدّر ، أي في وقت قوله لقومه (اعْبُدُوا اللهَ) إلخ وهو أول زمن دعوته. واقتضى قوله (اعْبُدُوا اللهَ) أنهم لم يكونوا عابدين لله أصلا.
وجملة (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) تعليل للأمر بعبادة الله. وقد أجمل الخبر في هذه الجملة وفصل بقوله (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً) الآية.
ومعنى (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) إن كنتم تعلمون أدلة اختصاص الله بالإلهية فمفعول العلم محذوف لدلالة ما قبله عليه. ويجوز جعل فعل (تَعْلَمُونَ) منزلا منزلة اللازم ، أي إن كنتم أهل علم ونظر.
وجملة (إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً) تعليل لجملة (اعْبُدُوا اللهَ). وقصرهم على عبادة الأوثان يجوز أن يكون قصرا على عبادتهم الأوثان ، أي دون أن يعبدوا الله فهو قصر حقيقي إذ كان قوم إبراهيم لا يعبدون الله فالقصر منصب على قوله (مِنْ دُونِ اللهِ) أي إنما تعبدون غير الله وبذلك يكون (مِنْ دُونِ اللهِ) حالا من (أَوْثاناً) ، أي حال كونها معبودة من دون الله ، وهذا مقابل قوله (اعْبُدُوا اللهَ) دون أن يقول لهم : لا تعبدوا إلا الله ؛ لكن قوم إبراهيم قد وصفوا بالشرك في قوله تعالى في سورة الأنعام [٧٨] (قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) فهم مثل مشركي العرب ، فالقصر منصب على عبادتهم الموصوفة بالوثنية ، أي ما تعبدون إلا صورا لا إدراك لها ، فيكون قصر قلب لإبطال اعتقادهم إلهية تلك الصور كما قال تعالى (قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) [الصافات : ٩٥].
وعلى كلا الوجهين يتخرج معنى قوله (مِنْ دُونِ اللهِ) فإن (دُونِ) يجوز أن تكون بمعنى (غير) فتكون (مِنْ) زائدة ، والمعنى : تعبدون أوثانا غير الله. ويجوز أن تكون كلمة (دُونِ) اسما للمكان المباعد فهي إذن مستعارة لمعنى المخالفة فتكون (مِنْ) ابتدائية ، والمعنى : تعبدون أوثانا موصوفة بأنها مخالفة لصفات الله.
والأوثان : جمع وثن بفتحتين ، وهو صورة من حجر أو خشب مجسمة على صورة إنسان أو حيوان. والوثن أخص من الصنم لأن الصنم يطلق على حجارة غير مصورة مثل أكثر أصنام العرب كصنم ذي الخلصة لخثعم ، وكانت أصنام قوم إبراهيم صورا قال تعالى (قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) [الصافات : ٩٥]. وتقدم وصف أصنامهم في سورة الأنبياء.
و (تَخْلُقُونَ) مضارع خلق الخبر ، أي اختلقه ، أي كذبه ووضعه ، أي وتضعون لها