وقرأ الجمهور (أَوَلَمْ يَرَوْا) بياء الغائب والضمير عائد إلى (الَّذِينَ كَفَرُوا) [العنكبوت : ١٢] في قوله (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) [العنكبوت : ١٢] ، أو إلى معلوم من سياق الكلام. وعلى وجه أن يكون قوله (وَإِنْ تُكَذِّبُوا) [العنكبوت : ١٨] إلخ خارجا عن مقالة إبراهيم يكون ضمير الغائب في (أَوَلَمْ يَرَوْا) التفاتا. والالتفات من الخطاب إلى الغيبة لنكتة إبعادهم عن شرف الحضور بعد الإخبار عنهم بأنهم مكذبون.
وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف أولم تروا بالفوقية على طريقة (وَإِنْ تُكَذِّبُوا) [العنكبوت : ١٨] على الوجهين المذكورين.
والهمزة للاستفهام الإنكاري عن عدم الرؤية ، نزلوا منزلة من لم ير فأنكر عليهم.
والرؤية يجوز أن تكون بصرية (١) ، والاستدلال بما هو مشاهد من تجدد المخلوقات في كل حين بالولادة وبروز النبات دليل واضح لكل ذي بصر.
وإبداء الخلق : بدؤه وإيجاده بعد أن لم يكن موجودا. يقال : أبدأ بهمزة في أوله وبدأ بدونها وقد وردا معا في هذه الآية إذ قال (كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) ثم قال (فَانْظُرُوا (كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) [العنكبوت : ٢٠] ولم يجىء في أسمائه تعالى إلا المبدئ دون البادئ.
وأحسب أنه لا يقال (أبدأ) بهمز في أوله إلا إذا كان معطوفا عليه (يعيد) ولم أر من قيده بهذا.
و (الْخَلْقَ) : مصدر بمعنى المفعول ، أي المخلوق كقوله تعالى (هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) [لقمان : ١١].
وجيء (يُبْدِئُ) بصيغة المضارع لإفادة تجدد بدء الخلق كلما وجه الناظر بصره في المخلوقات ، والجملة انتهت بقوله (يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ). وأما جملة (ثُمَّ يُعِيدُهُ) فهي مستأنفة ابتدائية فليست معمولة لفعل (يَرَوْا) لأن إعادة الخلق بعد انعدامه ليست مرئية لهم ولا هم يظنونها فتعين أن تكون جملة (ثُمَّ يُعِيدُهُ) مستقلة معترضة بين جملة (أَوَلَمْ يَرَوْا) وجملة (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ). و (ثُمَ) للتراخي الرتبي لأن أمر إعادة الخلق أهمّ وأرفع رتبة من بدئه لأنه غير مشاهد ولأنهم ينكرونه ولا ينكرون بدء الخلق قال في «الكشاف» :
__________________
(١) سيجيء مقابل هذا بعد بضعة وعشرين سطرا.