للبشرى ، فتعين أن يكون التعريف في البشرى تعريف العهد لاقتضاء (لَمَّا) أن تكون معلومة ، فالبشرى هي ما دل عليه قوله تعالى آنفا (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ) النبوءة والكتاب [العنكبوت : ٢٧] كما تقدم بيانه.
والبشرى : اسم للبشارة وهي الإخبار بما فيه مسرة للمخبر ـ بفتح الباء ـ وتقدم ذكر البشارة عند قوله تعالى (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً) في سورة البقرة [١١٩].
ومن لطف الله بإبراهيم أن قدّم له البشرى قبل إعلامه بإهلاك قوم لوط لعلمه تعالى بحلم إبراهيم. والمعنى : قالوا لإبراهيم إنا مهلكو أهل هذه القرية إلخ.
والقرية هي (سدوم) قرية قوم لوط. وقد تقدم ذكرها في سورة الأعراف.
وجملة (إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ) تعليل للإهلاك وقصد به استئناس إبراهيم لقبول هذا الخبر المحزن ، وأيضا لأن العدل يقتضي أن لا يكون العقاب إلا على ذنب يقتضيه.
والظلم : ظلمهم أنفسهم بالكفر والفواحش ، وظلمهم الناس بالغصب على الفواحش والتدرب بها.
وقوله (إِنَّ فِيها لُوطاً) خبر مستعمل في التذكير بسنة الله مع رسله من الإنجاء من العذاب الذي يحل بأقوامهم. فهو من التعريض للملائكة بتخصيص لوط ممن شملتهم القرية في حكم الإهلاك ، ولوط وإن لم يكن من أهل القرية بالأصالة إلا أن كونه بينهم يقتضي الخشية عليه من أن يشمله الإهلاك. ولهذا قال (إِنَّ فِيها لُوطاً) بحرف الظرفية ولم يقل : إن منها.
وجواب الملائكة إبراهيم بأنهم أعلم بمن فيها يريدون أنهم أعلم منه بأحوال من في القرية ، فهو جواب عما اقتضاه تعريضه بالتذكير بإنجاء لوط ، أي نحن أعلم منك باستحقاق لوط النجاة عند الله ، واستحقاق غيره العذاب فإن الملائكة لا يسبقون الله بالقول وهم بأمره يعملون وكان جوابهم مطمئنا إبراهيم. فالمراد من علمهم بمن في القرية علمهم باختلاف أحوال أهلها المرتب عليها استحقاق العذاب ، أو الكرامة بالنجاة.
وإنما كان الملائكة أعلم من إبراهيم بذلك لأن علمهم سابق على علمه ولأنه علم يقين ملقى من وحي الله فيما سخر له أولئك الملائكة إذ كان إبراهيم لم يوح الله إليه بشيء في ذلك ، ولأنه علم تفصيلي لا إجمالي ، وعمومي لا خصوصي. فلأجل هذا الأخير أجابوا ب (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها). ولم يقولوا : نحن أعلم بلوط ، وكونهم أعلم من إبراهيم